دخلت اتفاقية إطار التعاون لحوض نهر النيل المعروفة باسم اتفاقية الإطار التعاوني أو اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ يوم 13 أكتوبر الماضي ورغم أن الدول الموقعة على الاتفاقية هي من دول منابع النيل الاستوائية أو دول حوض النيل الأبيض باستثناء إثيوبيا التي تعتبر من دول حوض النيل الشرقي والذي يضم مع إثيوبيا جنوب السودان والسودان ومصر فقد اعتبرت دخول الاتفاقية حيز التنفيذ لحظة حاسمة في تاريخ حوض نهر النيل كله حوض النيل الأبيض والأزرق أيضا ولذلك ستكون الاتفاقية محورا للصراع وليست إطارا للتعاون بين دول حوض النيل وستختلف سياسات واقتصاديات استخدامات دول حوض نهر النيل لمياه النهر قبل الاتفاقية عما بعدها وسوف يكون لهذه الاستخدامات تداعيات على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والأمني والعلاقات الدولية في حوض النيل بأكمله خاصة حوض النيل الأزرق الذي يمد نهر النيل بـ85 من موارده المائية ويقع في إقليم بني شنقول تحت السيادة الإثيوبية وتشترك فيه مع مصر والسودان وجنوب السودان وذلك لما تحمله الاتفاقية من مبادئ غير مجمع عليها من دول حوض النيل وتتعارض مع مبادئ اتفاقية قانون استخدام مجاري المياه الدولية في الأغراض غير الملاحية والذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 مايو سنة 1997 الاتفاقيات التاريخية لحوض نهر النيل جاء في إعلان دخول الاتفاقية حيز التنفيذ أن المساواة هي من الركائز الأساسية لهذه الاتفاقية وأنها تهدف إلى تصحيح الاختلالات التاريخية في الوصول إلى مياه النيل وضمان استفادة جميع دول حوض النيل سواء كانت في المنبع أو المصب من هذا المورد المشترك وأنها تعترف بالاحتياجات المشروعة لجميع دول حوض النيل وتلزم بالتقاسم العادل لهذه المياه وهو من أخطر المبادئ في هذه الاتفاقية ويفسر سبب استمرار المفاوضات حول الاتفاقية لعشر سنوات وتعثر دخولها حيز التنفيذ لأربع عشرة سنة أخرى فهو يهدر الاتفاقيات التاريخية المنظمة لاستخدامات مياه النيل وينقض ما ترتب عليها من حصص يعبر عنها بالاستخدامات الحالية والتزامات الإخطار المسبق وعدم الضرر وسوف تستفيد منه إثيوبيا فقط وستكون هذه الإفادة على حساب حصة مصر المائية بالدرجة الأولى ثم السودان ومن هنا نتفهم ترحيب إثيوبيا بدخول الاتفاقية حيز التنفيذ واعتبر رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في تغريدة له على منصة إكس ذلك اليوم بداية حقبة جديدة لدول حوض النيل وأكدت وزارة الخارجية الإثيوبية أن المبادئ المنصوص عليها في اتفاقية الإطار التعاوني لحوض نهر النيل تصحح أخطاء تاريخية وتضمن الاستخدام العادل لموارد المياه وقبل أربع سنوات كشفت إثيوبيا في خطابها لمجلس الأمن في سنة 2020 ردا على خطاب مصر الرافض للملء الأول لسد النهضة أنها بذلت جهودا حثيثة على مدار عقدين من الزمان لإطلاق مبادرة حوض النيل سنة 1999 وأنها كانت الأساس لتوقيع اتفاق الإطار التعاوني عنتيبي في سنة 2010 ما يعني أن إثيوبيا تعمل منذ سنة 1979 من أجل إنجاز هذا الاتفاق الذي يجرد مصر من حقوقها المشروعة وفق مبادئ القانون الدولي والإنساني في المياه والحياة ونجحت الدبلوماسية الإثيوبية في نهاية المطاف في كسب دولتي بوروندي في سنة 2023 والتي وقعت على الاتفاقية في سنة 2011 ورفضت التصديق عليها لمدة 12 سنة من أجل مصالح مصر وجنوب السودان التي وقعت وصدقت عليها في سنة 2024 لتحالفهما وإقناعهما بالتوقيع والتصديق على الاتفاقية كما نجحت في بناء وملء وتشغيل سد النهضة من دون اتفاق مع مصر والسودان أما مصر والسودان فيكتفيان بالتعبير عن خيبة أملهما في الدول التي وقعت عليها وما زالت الدولتان تستجديان في مجلس الأمن حث إثيوبيا على العودة للمفاوضات التي لم يعد لها محل من الإعراب عدم الاعتراف بالاتفاقيات التاريخية يتعارض مع اتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية فقد جاء في المادة الثالثة من هذه الاتفاقية أنه ليس في الاتفاقية ما يؤثر في حقوق أو التزامات دولة المجرى المائي الناشئة عن اتفاقات يكون معمولا بها بالنسبة لهذه الدولة في اليوم الذي تصبح فيه طرفا في هذه الاتفاقية ما لم يكن هناك اتفاق على نقيض ذلك وإذا كان بعض دول مجرى مائي معين لا كلها أطرافا في اتفاق ما لا يؤثر شيء مما ينص عليه مثل ذلك الاتفاق في ما لدول المجرى المائي التي ليست أطرافا في مثل ذلك الاتفاق من حقوق والتزامات بمقتضى هذه الاتفاقية الاستخدام العادل والمنصف لمياه نهر النيل اعتماد اتفاقية حوض النيل مبدأ المساواة المطلقة في توزيع مياه النيل هو إنكار لمبدأ الاستخدام المنصف والمعقول الذي تعتمده اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية الصادر عن الأمم المتحدة في سنة 1997 ركيزة أساسية فيها وتأخذ في الاعتبار عدد سكان الدولة وتوفر بدائل المياه فيها والاستخدامات الحالية والحصص التاريخية وجاء في مرفقات الاتفاقية أن المفاوضات انتهت من دون التوصل إلى توافق في الآراء بشأن المادة 14 ب والتي تنص على عدم التأثير بشكل كبير على الأمن المائي لأي دولة أخرى من دول حوض النيل واقترحت مصر صيغة تنص على عدم التأثير سلبا على الأمن المائي والاستخدامات والحقوق الحالية لأي دولة أخرى من دول حوض النيل وقرر الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء النيل الذي عقد في كينشاسا بجمهورية الكونغو الديمقراطية في 22 مايو 2009 أن يتم ضم القضية المتعلقة بالمادة 14 ب وحلها من قبل لجنة حوض نهر النيل المزمع إنشاؤها بعد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في غضون ستة أشهر من إنشائها وها هي الاتفاقية تدخل حيز التنفيذ من دون خمس دول وحتى إذا تكونت اللجنة وبتت في هذه المادة فلن تقبلها مصر والسودان وستظل محل خلاف لأن الاتفاقية تقوم على إعادة توزيع الحصص المائية بالتساوي من دون اعتبار العوامل الأخرى التي تعتبرها اتفاقية الأمم المتحدة ويشجع ذلك الدول المتضررة من اتفاقية عنتيبي وهما مصر والسودان تحديدا على رفض الاتفاقية ويمكن أن يرفعا ملف الاتفاقية إلى محكمة العدل الدولية والتي تأخذ بمبادئ اتفاقية الأمم المتحدة في حكمها وستقر الاتفاقيات التاريخية بين دول حوض النيل جميعها ومن المفيد هنا التأكيد على ضرورة انسحاب مصر والسودان من اتفاق مارس آذار 2015 الخاص بسد النهضة والذي لم يصدق عليه من برلمانات البلدين حتى لا تتزرع إثيوبيا باعتبارها اتفاقا تاريخيا جديدا ناقضا لما قبله من اتفاقيات تاريخية بذور الحرب على مياه نهر النيل يقع النيل الأزرق في إقليم بني شنقول السوداني وقد آل الإقليم إلى السيادة الإثيوبية بناء على اتفاقية بين إثيوبيا من جهة وبريطانيا العظمى نائبة عن مصر والمعروفة بالمعاهدة البريطانية الإثيوبية لسنة 1902 في مقابل إقرار الإمبراطور مينليك الثاني ملك ملوك إثيوبيا لحكومة جلالة ملك بريطانيا بعدم إنشاء أو السماح ببناء أي عمل على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو الصوبات مما يوقف تدفق المياه إلى النيل إلا بالاتفاق مع حكومة صاحب الجلالة البريطانية وحكومة السودان معاهدة تنكرها إثيوبيا وتنكر غيرها من اتفاقيات نهر النيل التاريخية خاصة 1929 و1959 اللتين تعطيان مصر حصة من مياه النيل لا تقل عن 55 5 مليار متر مكعب والسودان 18 5 مليارا وتقول إنها من إرث الاستعمار وتتمسك بمبدأ الصفحة البيضاء والذي ينص على أن الدول الناشئة حديثا وتعرف بالدولة الخلف مثل الجمهوريات التي خرجت من إرث الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا أو التي كانت خاضعة للاستعمار مثل مصر والسودان والهند وغيرهم لم يكن لها أي دور مع دول السلف أو الدول الاستعمارية في إبرام تلك المعاهدات وبالتالي فهي غير معنية بالالتزام بتلك الاتفاقيات وهي حجة لا قيمة لها في القانون الدولي ويمكن لأي مكتب محاماة دولي أن يرفع قضية في محكمة العدل الدولية ويثني إثيوبيا عن هذا النهج كانت إثيوبيا في وقت توقيع هذه الاتفاقيات دولة حرة ذات سيادة عكس مصر التي كانت تحت الحكم البريطاني وقد أقرت اتفاقية فیينا لخلافة الدول في المعاهدات عام 1978 مبدأ توارث الاتفاقيات التي أبرمتها الدول الاستعمارية كما أقرت اتفاقيات الحدود التي رسمها هذا الاستعمار بين الدول ومنها اتفاقية 1902 التي ملكت إثيوبيا إقليم بني شنقول الذي يحتضن بحيرة تانا والنيل الأزرق وتنتهي الخلافات بين الدول الثلاث فإما أن تذعن إثيوبيا لمبدأ توارث الاتفاقيات وتعترف بحقوق مصر والسودان المائية بما فيها الاستخدامات الحالية والإخطار المسبق والتشاور وعدم الضرر وهو ما يتوافق تماما مع مبادئ القانون الدولي للمياه واتفاقية الأمم المتحدة لاستخدام مياه المجاري المائية في الأغراض غير الملاحية لسنة 1997 أو تتمسك بمبدأ الصفحة البيضاء وتتنازل عن سيادتها على إقليم بني شقول وما يضمه من بحيرة تانا والنيل الأزرق للسودان وبذلك تنتهي الخلافات بين الدول الثلاث لكن إثيوبيا لا تريد أن تعترف بتوارث الاتفاقيات إلا بما يحفظ لها سيادتها على إقليم بني شنقول وتتمسك بمبدأ الصفحة البيضاء فيما يعفيها من الالتزام بالاتفاقيات التاريخية المنظمة لاستخدام مياه النيل فيما يخص الاعتراف بالاستخدامات الحالية والحصص التاريخية والإخطار المسبق بالسدود التي تنوي إنشاءها على نهر النيل الأزرق والتشاور وعدم الضرر وهي السياسة التي تجيش لها اتفاقية عنتيبي ونصوصها التي لا تعترف الاتفاقيات التاريخية والاستخدامات الحالية والدول الخمس التي وقعت عليها هذه السياسة تجعل الدولتين مصر وإثيوبيا أقرب إلى حرب مياه من أي وقت مضى