بين قارتين وقلب

٨٣ مشاهدة
أعيش بنيويورك منذ أعوام وما زلت أحيا على تحين الأقدار كلما لاحت سانحة لعناق نخل بلادي وعناق شمس بلاد العرب أوطاني من مشرقها لمغربها ومن بحرها الأبيض لخليجها الذهبي وكأن التحولات الشاهقة على أرض وطني والتشظي الباهظ على أرض الوطن العربي يلعبان دور المبضع والجرح فلا أضيع كريشة في مهب البعاد فعلى ثراء نيويورك المعرفي بتباريه مع بؤسها الموجه للشرائح المرهقة وشوارعها المتسخة الرثة فإنها لا تكف عن غواية البعيدين والغرباء معا فأعيش فيها حالة من التوزع بين تعدد عوالمها وعالمي أسرح مع بعض عوالمها من برج باركلي الشاهق حيث يمشيه حافيا ساخطا الشاعر الإسباني لوركا مع والت ويتمان وثلة من كتاب هارلم وبرونكس وليتل يمن وليتل إيطالي وتشينا وكورين تاون ومشردي التايم سكوير وركفلور سنتر يقودهم عبر الوقت والكمائن جيمس بلدوين وتوني موريسان ونجلاء إدوارد سعيد وحزمة تتزايد من كتاب نيويورك الشباب من المعنيين بالمستقبل الأسود جينا وارثام وكيمبيرلي درو ونآيم كوستر في هيلسي سترييت وجاكلين وودسون أواصل رحلة الحبر وكأنني أبدأ غواية الكتابة لأول مرة أحيي بعض الصحب القدامى والجدد منهم وأواصل حياتي على الأرض الملتبسة البعيدة عني وأنا عليها كأنني أرقب حياة أخرى تمر بجواري عبثا أحاول محتشدة بالشك أن أكتنه سر التشابه بيننا المنعكس على مرايا متشظية بالكاد تتلاصق لتظهر صورا مغبشة قد تكون طبق الأصل عنا تتوزع أيامي في زمهرير شتاء نيويورك وفي خريفها البهاري الخلاب من جريدة نيويورك تايمز عند باب بيتي على الجادة الأولى بطبعتها الورقية الغامقة الغناء إلى نادي الشعراء بالوست سايد وملتقى الكتاب بكوين مجمع الثقافات بالأمم المتحدة إلى متحف الفن الحديث ومتاحف الأطفال والحديقة المركزية ومعقل الموسيقى العالمي لنكون سنتر وبوتينيك بارك ومن المكتبة العامة ومن جامعة نيويورك وكولومبيا ومكتباتهما الآسرة إلى مكتبة بارنزاند نوبل ومكتبة أمازون بين الجادة الخامسة والسادسة ومن ممشى النهر الشرقي الناهب للحواس لحظة الشروق إلى عبارات نهر هادسون مبتعدة عن مبنى التجارة العالمي ملوحة لتمثال الحرية المغلف بالضباب ومع كل ذلك فإن رغد الغربة لم يستطع أن يمحو حالة الحنين التي كنت أحيا بها وما زلت أحيا عليها كمن يدخر حاجته للفرح ويوفر قروش قوته ليوم العيد أو كمن يخبئ احتدامات أحاسيس الخطبة لليلة العرس لريثما ينتهي الحجر العاطفي الذي تفرضه ظروف الفراق سواء كانت لعمل أو لاستشفاء أو لأسباب أخرى متداخلة أو متنوعة قبل أن تبدأ اندلاعات الحنين بالتهام ما تبقى من تجلدي وفي هذا السياق من حالة التقلب بين قسوة المسافة وبين جبروت الوجد ولمزيد من إشعال نار الجوى وإضرام شعلة الشوق فإنني أنظر لكل دعوة تعيدني للحمى على أنها فألي الحسن وحظي الكبير ورحمة ربي المتسعة لكل شيء تلك التي تبقيني على قيد القرب من مسقط الرأس والقلب والحبر والروح بالمملكة العربية السعودية وبتخومها المجاورة من المحيط إلى الخليج حدث ذلك عندما قررت أن أترك كل ما يبقيني بنيويورك وأقطع تذكرة ولا يرد رأسي إلا الرياض مباشرة من نيويورك في اليوم الأول المجيد لانطلاقة قيادة المرأة للسيارة 24 07 2018 وحدث ذلك عندما قبلت بحماس طفولي كعادتي في التعامل مع التجارب الجديدة على خط معهود عملي الأكاديمي والشعري بالمشاركة كمحكمة للروايات الخاصة بجائزة بوكر العربية العالمية عام 2019 فوجدت نفسي بعد قراءات مترعة للعدد الكبير من الروايات المرشحة مرة في الأردن غير بعيد عن شمال القلب من الحديثة إلى أجنحة الجوف وذلك لتباحث القائمة القصيرة للروايات كما وجدت نفسي للمرة الثانية في أبوظبي لإعلان الرواية الفائزة لأكون قاب أدنى من قوسين لرمانة الكتف بوطني شرق السعودية خلال عام واحد وحدث ذلك أيضا عندما حداني الشوق والقلق لأعود إلى الرياض للاطمئنان إلى عمتي موضي وقد كانت الجائحة لا تزال بوسواسها جاثمة على صدر العالم برمته عام 2020 أما في عام 2021 فقد عدت لعمان للمشاركة في مهرجان جرش الشعري وقبل أن تبدأ اندلاعات الحنين بالتهام ما تبقى من صبري وتجلدي على غربة نيويورك جاءني طوق النجاة مفاجأة وأنا في عيادة كورنيل على شكل مهاتفة من هيئة الأدب والترجمة والنشر ممثلة بالروائي المبدع محمد حسن علوان تدعوني للمشاركة في أمسية حوارية مع الشاعر البحريني المجدد قاسم حداد بمعرض الكتاب السنوي بالرياض من خلال إشرافها عليه لعام 2022 وما قبله وما بعده فلم أشعر إلا وقد دبت الصحة في روحي لدرجة إحساسي بأنني أستطيع أن أعود إلى الرياض طيرانا بأجنحتي الذاتية دون عناء المطارات ووعثاء السفر أما في العام 2023 فقد عدت في أوله إلى أرض الوطن للمشاركة في مناقشة إحدى طالبات الدراسات العليا ولم أعلم حينها بأنني على مشارف نهاية العام ومع مطلع 2024 سأكون على موعد مع قدري الشعري في واحدة من أجمل تجاربي عملي في المجال الإبداعي وذلك من خلال المشاركة في لجنة تحكيم برنامج المعلقة 45 الأول من نوعه على مستوى الوطن العربي في اعترافه وفي اعتداده بتقديم برنامج تلفزيوني يمثل جناحي الشعر العربي الفصيح والشعبي ويقدم كل أطيافه من القصيدة العمودية لقصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر ويدخلها على قدم المساواة كل بيت سعودي وكل بيت عربي بأريحية واعتزاز بجميع شعرائها نساء ورجالا وتجارب معتقة وتجارب جديدة جنبا إلى جنب هذا دون أن أفرط يوما في حبل المشيمة المرهف وشعرة العشق المتين التي تربطني بوطني عن طريق الكتابة على مدار الأعوام سواء كانت كتابة يومية أو دورية تلك الكتابة التي تشكل هويتي ومهوى الفؤاد في سلام الاستقرار وفي قلق السفر معا وقبل أسابيع وقد كنت أقف على مفترق رحيل جديد جاءتني دعوة الكتابة الأسبوعية عبر مطل ثقافي لم يسبق لي التلويح منه بحرفي وإن كنت قد زاملت الكثيرين من المشاركين في تشكيل سمواته أدباء وكتاب رأي وشعراء من خلال مشوار الثقافة الطويل وتقاطع مسافاته عندها وقفت متأملة صدفة توقيت الدعوة فبينما اعتذرت قبل عدة سنوات عن قبول دعوة مشابهة جاءتني من الصديق الشاعر أمجد ناصر يرحمه الله فقد رأيت في دعوة الزميل نجوان درويش مثلما يرى مسافر على طريق غامض بارقة أو وميضا فيتبع نداء الريح لهذا قررت أن أجيب هاتف الحبر حبا وكرامة فوجدتني على أرض الدوحة شقيقة الرياض ومع ثقافة العربي الجديد الأصيل أواصل رحلة الحبر وكأنني أبدأ غواية الكتابة لأول مرة شاعرة وكاتبة وأكاديمية من السعودية

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح