فيلم Grunt صمت الجنود وصراخ الضحايا

27 مشاهدة
حيث تذوب الحدود بين السينما والتاريخ وبين الوثائقي والتأمل الفلسفي تبرز الأيديولوجيا كشباك نمرر عبرها بوعي أو من دونه وجهة نظرنا عن الحقيقة وما حدث في الماضي عندما يقدم عمل وثائقي سردية محكمة تجسد الحرب عبر عيون الجنود الأميركيين حصرا تتحول الحقيقة والتاريخ بعد تشويههما إلى داعم لتلك الأيديولوجيا ومع رمي السياق السياسي أو الأخلاقي خلف عدسة الكاميرا يعاد إنتاج الخطاب الوطني الأميركي المتمحور حول البطل المعذب بدل كشف تعقيدات الحرب أو مساءلة الجنود حول دورهم في آلة القتل الحرب ليست مجرد معارك تدور على الخرائط بل هي ارتجاجات تخلخل الروح قبل الجسد وعبر الكاميرا وأدوات السينما نستطيع تشريح آثار الحرب على شخصية المشاركين واللاعبين الأساسيين في المعركة مع خطورة تحويلهم إلى ضحايا مطلقين ذلك هو السيناريو الوثائقي لفيلم Grunt الصادر عام 2025 يدفع المخرج شون جيمس سبنسر المشاهد إلى أعماق هذه الارتجاعات عبر عيون من قابلهم كهيكتور برافو جندي المشاة الذي أكمل عقده الثاني وهو في المعركة سبنسر لا يكتفي بتوثيق الحرب بل ينقب في ذاكرة المشاركين فيها وهذا نهجه الذي استعاده من أعماله السابقة ولم يحد عنه ونستطيع تلخيصه بأنه تحويل التجربة الفردية إلى سرد جمعي يجسد ثمن الحرب الخفي اللقطات المدمجة بين الأرشيف العسكري الخام والمشاهد التأملية تعيد إنتاج الحرب بوصفها كابوسا متكررا والحرب هنا فردوس مفقود بالنسبة إلى الجنود تحولت إلى ذلك بعد أن سلبت منهم براءتهم رغما عنهم المشاهد العامة في الفيلم تنتهي دائما بلقطة تحاول ترسيخ فكرة الضحية البريئة الأصوات المتداخلة بين صفارات الإنذار وصرخات الجنود وحتى الروائح التي يذكرها هيكتور وهي بالنسبة له الشيء الوحيد الذي يمثل الحرب رائحة الدم المحروق والبارود والأشلاء الطازجة المتداعية كلها تفاصيل تشرح ما حدث ولا تتساءل حول دورها في عملية التطهير الرمزي للمؤسسة العسكرية مقارنة بفيلم سبنسر السابق Nguyen الصادر عام 2023 وفيه يروي قصة لاجئ فيتنامي يصبح شرطيا في الموصل يبدو Grunt دفاعا غير مباشر عن النية الحسنة للجندي الأميركي على الرغم من أن هيكتور لم يكن يريد أن يتسخ حذاؤه أثناء تجميع أشلاء العراقيين الأبرياء يعتمد سبنسر على حزمة من التقنيات لفرض التعاطف مع الجنود كالمونولوغات الداخلية بصوت الجنود المرتجف واللقطات المهتزة التي تعكس رؤية الجندي المرتبكة والصمت الذي يطبق بعد كل انفجار وكأن هذه الحرب لا كلمات لها صراخ العراقيين ودموع الأمهات العراقيات بعد أن فقدن أطفالهن في الانفجار توضع خارج الإطار مقابل منح الجنود تعقيدا نفسيا التحول الوحيد للمخرج في هذا الفيلم مقارنة بأفلامه السابقة هو تحوله من تسجيل البطولات إلى تشريح الانهيارات فبينما يكبر المراهق في المعركة تنحدر إنسانيته وذلك ما نسمعه على لسان الجنود عندما يقارنون بين الحرب الحقيقية وأفلام هوليوود ففي الأفلام يموت الرجل برصاصة واحدة وفي الحقيقة يضطرون إلى إطلاق أربع رصاصات للتأكد من النتيجة يكمل الفيلم الحوارات مع الجنود بالتدقيق على إرث الاضطرابات النفسية للمحاربين لا يدرب الجنود على التعامل مع هذا الإرث فقط على القتل بكفاءة هنا تتحول الحرب إلى حرب داخلية ولها ندوب كثيرة تتمظهر بنوبات غضب وإدمان وانفصال عن المجتمع ومحاولات انتحار تطغى هذه الحوارات على زمن الفيلم وتتحول إلى غطاء ثقافي للحرب باعتبارهانتاجا طبيعيا وحدثا منفصلا عن السياسة لا يشار إلى أسباب غزو العراق أو إلى مئات آلاف الأرواح العراقية التي أزهقت أو أخطاء الاستخبارات أو دور الشركات العسكرية حتى الإرهابيون يصورون كأنهم كائنات مجهولة الهوية مقاتلون من دول إسلامية يبدو أن تجاهل خطاب الحرب على الإرهاب أسهل بكثير من تفكيكه أيضا تظهر التضحية بوصفها فضيلة لها قسط واف من التكريس في العمل وتتحول إلى طقس ديني يرفع فيه العلم الأميركي أثناء التأبين يمثل سبنسر وإنتاجاته جزءا من ماكينة إعلامية تعيد تدوير خطاب الجندي الضحية وتساهم في تحصين المؤسسة العسكرية من النقد المقص المونتاجي الأيديولوجي الذي يصنع النسخة الأخيرة من العمل يفصل بين جروح الجنود الداخلية والبنية التي تسببت بها ويمنع بسبب محدوديته الفكرية تجاوز النموذج العاطفي الأحادي الجانب والانتقال نحو سرديات أعقد تجمع صوت الضحايا المدنيين مع الناشطين السياسيين والمنتقدين والجنود لا أحد يريد وعظا أخلاقيا مباشرا عن أضرار الحرب هذا له مكان آخر ولا أحد أيضا يريد أن يقدم قصص الحرب مبتسرة ومسحوبة الدسم لهذه الدرجة

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح