فوز ممداني في المرآة الإيرانية
أثار فوز المرشح الديمقراطي الاشتراكي زهران ممداني برئاسة بلدية نيويورك الأميركية اهتمام جميع التيارات السياسية الإيرانية على اختلاف توجهاتها. ظهور شخصية مسلمة شيعية زعيمة لمدينة بحجم نيويورك، وصاحب مواقف حادة تجاه إسرائيل ودونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، جعل من فوزه حدثاً لافتاً في المخيال الإيراني، يجمع بين الانتماء الديني والسياسي وبين التحدي للنظام الغربي، وكذلك عنواناً إضافياً للتجاذب والمساءلة في بازار الاستقطاب في البلد. أوساط مختلفة في إيران قرأت هذه النتيجة بطرق متعددة ومتناقضة. المحافظون الذين يرون في أميركا الشيطان الأكبر لم يكونوا على رأي واحد، فالمتشددون منهم تعاملوا مع الحدث على أنه جزء من لعبة سياسية مركّبة ومسرحية مدبّرة، لا يمكن أن تكون حقيقية في نظام يعتبرونه مغلقاً أمام الأصوات المعادية لإسرائيل والصهيونية. في المقابل، رأت نخبة من التيار المحافظ ذاته في هذا الفوز دليلاً على وصول الثورة الإسلامية إلى قلب أميركا، واعتبرته إشارة رمزية إلى تنامي روح المقاومة ورفض الاستكبار داخل الغرب نفسه، مع الزعم بأن مرحلة جديدة من الوعي ضد الإمبريالية بدأت تتشكّل حتى من داخلها.
فيما تيارات إصلاحية ومعتدلة فقد رأت في الحدث تجلياً لتحوّل أعمق في المجتمع الأميركي وديمومة حيويته، معتبرة أن فوز مرشح يعلن رفضه لسياسات إسرائيل ويقف في وجه الخطاب الترامبي دليل على مرونة النظام الأميركي وقدرته على استيعاب التعددية والاختلاف، ساعية إلى ربط قراءتها حول فوز ممداني بالواقع الإيراني، انطلاقاً من نقد متواصل لتجربة الحكم في إيران. في السياق، تحوّل الموقف من فوز ممداني إلى مرآة لجدل داخلي بشأن حدود التمثيل والمشاركة والانفتاح، إذ استثمرت نخبة إيرانية الحدث لمساءلة المحافظين والمؤسسات الحاكمة، قائلة إن ما يُعدّ في طهران ضرباً من المستحيل، أي صعود شخصية من الأقليات المذهبية أو صوت ناقد جارح إلى هذا الموقع، تحقق في عاصمة الاستكبار العالمي نفسها.
هذا المشهد أعاد إلى السطح الانقسام في الوعي الإيراني تجاه الولايات المتحدة والموقف منها وكذلك استحضار التطورات الخارجية وإسقاطها على الوضع الداخلي من منطلق التجاذب والمشاكسة، وهكذا تجاوز فوز ممداني دلالته الانتخابية المباشرة
ارسال الخبر الى: