فن العزلة في ثلاث آيات من الوحدة
في عرضه الجديد ثلاث آيات من الوحدة، يُقدّم مسرح زقاق على خشبة مسرح المدينة عملاً أدائياً يتأمّل طبقات العزلة وتحولاتها، بين الحاجة إلى الانسحاب من العالم والرغبة في نسج مساحة مشتركة مع الآخر، حيث يتولّد الخيال وتنبثق إمكانات جديدة للعبور والتحوّل. يستعيد العمل الذي يُعرض بين 20 و23 من الشهر الجاري صدى السنوات الخمس الأخيرة في لبنان والعالم: الجائحة، والعزلة القسرية، والحرب، وفقدان الأمان، والتعلّق الشديد بالشاشات كمصدر وحيد للحدث والخبر. لكنه، في الوقت نفسه، يقدّم العزلة كفعل مقاومة هادئ، وكإمكانية للوجود معاً منفردين.
منذ اللحظة الأولى، ينكشف على الخشبة أثرٌ روحي مستوحى من فضاء (Rothko Chapel)؛ ذلك الصمت الكثيف الذي يشبه صلاة داخلية. هنا، تتحوّل العزلة إلى ثلاث آيات، أو ثلاث تنهيدات، أو ثلاثة أنفاس بطيئة تتكرّر كإيقاع يشدّ الجمهور نحو الداخل ويفتح باباً لتجربة غامرة تستبدل الكلام بالإصغاء.
يهدر صوت مطر قوي في أوّل عشر دقائق من العرض الممتدّ لساعة، كموجة تعصف بذاكرة المكان. يعود الجمهور معها إلى ليالٍ عاشها الجميع: صافرات، وأخبار ضربات، وانفجارات بعيدة، وأجهزة هاتف تشتعل في اليد. وسط هذه الهزّة السمعية، تقف مايا زبيب، كاتبة العرض ومخرجته ومؤديته، ثابتة في منتصف الخشبة، بينما يتقدّم جنيد سري الدين بخطوات بطيئة، وتتحرّك لميا أبي عازار بحذر مشدود، فيما ينزلق الراقص الأسترالي لي سيرل على الأرض بحركات زاحفة كمن يشقّ طريقه داخل طبقة طينية غير مرئية. يُعرَّف في العرض كشخص من خلفية مختلفة، لكن الوحدة تجمعه بالآخرين، وكأن الجسد هنا يطرح السؤال: من يثبت؟ من يتقدّم؟ من ينهار؟ ومن يزحف كي يتشبّث بالحياة؟
ينسج العمل لغة مشتركة تجمع بين المسرح والموسيقى والرقص
في منتصف العمل، تتوقّف مايا لتروي بصوت متردّد تجربتها كأم خلال الحرب، يوم ضاع هاتفها وصارت معزولة عن العالم. تستخدم ضمير هي لتخلق مسافة بينها وبين نفسها، مساحة أرحب للاعتراف. تفسّر أن الألم والعُري يصبحان أسهل حين نتكلّم بلغة ليست لغتنا الأم، لذلك تنتقل بين العربية والإنكليزية، بينما يمتد فوق الخشبة شريط ضوئي يعمل كـكيبورد
ارسال الخبر الى: