فلسفة اللامبالاة بين التحرر والانسحاب من المعنى
في عصر يزدحم بالمعلومات والضغوط والتوقعات الاجتماعية، يشعر الإنسان أحياناً بأن وعيه يُستنزف في ما لا معنى له، وأن حياته تُقاس بما لا يستحق اهتمامه. من هنا تنشأ اللامبالاة خياراً أو موقفاً وجودياً: هل هي وسيلة للتحرر من ثقل العالم، أم استقالة من المسؤولية الأخلاقية والوجودية للبحث عن معنى؟
هذه الإشكالية تفتح الباب أمام دراسة اللامبالاة ليس فقط بوصفها ظاهرةً نفسيةً، بل باعتبارها مفهوماً فلسفياً عميقاً يجمع بين الحرية والعبث والإبداع الشخصي. فاللامبالاة حين تُفهم بشكل سطحي تبدو مجرد هروب أو انطفاء للعواطف، لكنها في العمق يمكن أن تكون فناً للتمييز، أو مرحلة انتقالية تسمح للفرد بإعادة ترتيب أولوياته، والتفرّغ لما هو جوهري.
اللامبالاة عند الرواقيين بوصفها تحرّراً داخلياً
الرواقيون، ومن أبرزهم ماركوس أوريليوس وإبيكتيتوس، نظروا إلى اللامبالاة باعتبارها قوة داخلية وليس انعدام شعور أو انسحاباً من العالم. فقد كتب ماركوس أوريليوس في التأملات: أنت تملك القوة على عقلك، لا على الأحداث الخارجية. أدرك ذلك، وستجد قوتك.
وهنا تتحوّل اللامبالاة إلى أداة للسيطرة على الذات، فنحن لا نملك التحكم في كل ما يحدث، لكننا قادرون على ضبط استجابتنا لذلك. بهذا المعنى، تتحوّل اللامبالاة إلى فن الحياة، إذ تمنح الإنسان صفاءً داخلياً يجنّبه الانفعال المفرط بتفاصيل لا جدوى منها.
إبيكتيتوس، بدوره، يرى أنّ الإنسان يجب أن يفرّق بين ما يخضع لإرادته وما لا يخضع لها، مؤكداً أن القلق ينبع من محاولات السيطرة على ما هو خارج نطاق القدرة. هذه الرؤية تجعل اللامبالاة ممارسة واعية لا هروباً، وتفتح المجال للإنسان للعيش بحرية داخل حدود إمكاناته.
لكن هذه اللامبالاة، رغم كونها تحرّراً، قد تحمل في طياتها مفارقة أخلاقية: إذ قد تصبح مبرراً لتجاهل معاناة الآخرين بحجة أنّها خارج سيطرة الفرد. فهنا تبدأ حدود اللامبالاة بوصفها فضيلة، عندما تصطدم بمسؤولية التعاطف والمشاركة الإنسانية.
اللامبالاة في الفلسفة العبثية
تأخذ اللامبالاة بعداً آخر في الفلسفة العبثية، حيث يواجه الإنسان صمت العالم وغياب المعنى الجاهز. وفق الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو، يعيش الإنسان في حالة صراع دائم بين
ارسال الخبر الى: