فلسطين محركا لتفكيك الاستعمار ما تخشاه أميركا في احتجاجات الجامعات
٨٣ مشاهدة
لعل أول سؤال تمليه البديهة في موضوع احتجاجات الجامعات في الغرب هو ما المختلف فيها عن سائر الاحتجاجات حتى تجند له ديمقراطيات عتيدة أمنها واستخباراتها ورؤوس أموالها وإعلامها ورعاعها في وصفة بوليسية تبدو مستنسخة عما عهدناه من الديكتاتوريات في وقت الثورات في طوايا الإجابات ثمة ما هو أبعد من المقارنات مع الانتفاضة الطلابية إبان حرب فيتنام تلك كانت قضية معاشة في يوميات أهل البلاد وثورة من داخل المنظومة لا عليها بحكم أنها ستصبح جزءا من سيرورتها التاريخية أما حراك اليوم فيبدو في أبعاده أكثر ثورية من حيث أنه عابر لحدود الجغرافيا والحياة اليومية ومضاد للسيرورة التاريخية لأميركا بوصفها صنوا استعماريا لإسرائيل ومضاد لجوهر المنظومة ذاتها لا لخطاياها وحسب هذه الاحتجاجات تجري في المكان الذي تغادر فيه تعاليم تفكيك الاستعمار النظريات ولا غضاضة في القول إنها تنطوي على فعل تحرري خطابي وفعلي لحوز استلبت من سكانها الأصليين هذا على الأقل ما شهد عليه كاتب هذه السطور عيانا واستنباطا من تجربة المخيم الطلابي في جامعة ألبيرتا بكندا احتجاجات الجامعات واستعادة أصلانية المكان يعد ستيفين ساليتا أبرز القلة من الباحثين الفلسطينيين الذين كتبوا عن وحدة النضال مع الشعوب الأصلانية عبر العالم وقد دفع ثمن هذا وظيفته الأكاديمية في جامعة إلينويز إربانا شامبين حيث عمل محاضرا في دراسات السكان الأصلانيين في الواقع كان السبب المباشر لقراءات استبعاده هو تدويناته المناهضة للصهيونية على مواقع التواصل الاجتماعي أما السبب الكامن كما يشرح في كتابه البينية القومية نزع الكولونيالية عن فلسطين وأميركا الشمالية فهو أن نقد الاستعمار الإسرائيلي يكتسي حساسية مضاعفة حينما يتقاطع مع حقل الدراسات الأصلانية رسما على ذلك يكتب ساليتا في مؤلفه المذكور معقبا على احتجاجات الجامعات المؤيدة لفلسطين خلال حرب غزة عام 2014 أن مثل هذه الحراكات ينبغي أن تضم بالضرورة مجتمع الهنود الأميركيين الذين تنشط على أراضيهم لأنه من خلال نزع الاستعمار عن الحيز الذي نقيم فيه بوسعنا توازيا إحياء التزامنا تجاه الحوز التي تنعدم فيها العدالة عالميا في تجربة الاعتصام داخل جامعة ألبيرتا يمكن القول إن مقولة سالايتا وجدت طريقها عفويا ومن دون إسقاط نظري إلى أرض الواقع لسنوات ظلت تلك المؤسسة في كل محفل أكاديمي وخطاب رسمي تردد الشارة ذاتها تقر جامعة ألبيرتا باحترام أنها أقيمت على أراضي الشعوب الأولى وهو الاسم المتعارف عليه للإشارة إلى الغالبية من السكان الأصليين في كندا صار هذا الختم لازمة لدى كثير من الجامعات الكندية بعد ما يطلق عليه هنا عهد الحقيقة والمصالحة الذي اعترفت البلاد في أعقابه بأنها اقترفت ما يرتقي إلى الإبادة الثقافية بحق الشعوب الأصلية خلال أكثر من قرن مما يسمى بـالمدارس الداخلية حيث لقن الأصلانيون قسرا التعاليم الغربية وجرمت تعاليمهم الموروثة بحكم القانون حتى كان مجرد الهمس باللغة الأم مدعاة للعقاب الذي قد يصل إلى القتل بطرق شتى كانت جامعة ألبيرتا على غرار سائر الجامعات الكندية العريقة أحد المصانع التي زودت مدارس الإبادة الثقافية تلك بالمسوغات الأخلاقية والعلمية حتى اليوم لا تزال مكتبتها الرئيسية تحتضن لوحة تصور فرسانا ومبشرين إنكليزا وهم ينقلون سكان البلاد من وحشيتهم العارية إلى هندام الحضارة منذ الساعات الأولى للاعتصام المؤيد لفلسطين وجد الطلاب منشورات موزعة في كل مكان تنذر المشاركين بعقوبات مغلظة تصل إلى السجن 6 شهور وإلى غرامات بعشرات آلاف الدولارات والسبب التعدي على أملاك خاصة هكذا عند أول محك تقريبا سقطت شارة الإقرار بملكية الأرض للسكان الأصليين التي كانت ترددها الجامعة في كل يوم وارتد خطابها إلى مفردات الرأسمالية الرثة للاستعمار الحديث هكذا أيضا عادت أوراق الإنذار تلك إلى موزعيها عينية وعبر الفضاء الافتراضي وقد خط عليها المعتصمون بالأحمر بل أنتم من تتعدون على أملاك السكان الأصلانيين وجدت تلك المرافعة تصديقا من رابطة الطلاب الأصلانيين في الجامعة فبعدما قمعت الشرطة الاعتصام في ثالث أيامه نشرت هذه الأخيرة بيانا أعلنت فيه تأييدها لـالمخيم المقام تضامنا مع غزة ووضعت المظلمة الفلسطينية في كفة موازية حينما اعتبرت أن قمع الاعتصام يتناقض مع تعهد رئيس الجامعة الخطة الإستراتيجية الأصلانية في مقدمة أولوياته وأن إقرار المؤسسة بأنها مقامة على أراض مسروقة يعني عدم التعرض للاعتصام وأن الحرية الأكاديمية تستتبع مسؤولية مقاومة الإبادة داخل الديار وخارجها هذا الموقف أتبع بآخر أوسع نطاقا ويضم موقعين من السكان الأصليين وبعضهم محاضرون في جامعة ألبيرتا يدعو إلى تغيير هيكلي في بنية الجامعة بعد تأكيد على عناوين الاعتصام الرئيسية الكشف عن الاستثمارات في المؤسسات الإسرائيلية وتلك المتواطئة معها وقطعها وحماية المعتصمين وإعلان إدانة الإبادة الواقعة ثم دعوة الحكومة الكندية إلى إلغاء العقود العسكرية مع إسرائيل كتب هذا كله تحت شعار مخطوط بلغة الكري الأصلانية من البحر إلى النهر فلسطين حرة ومن البحر إلى النهر وأينما كان كل الناس أحرار هكذا في الوقت الذي جندت فيه دولة الاستعمار منظومتها القانونية والبوليسية ووضعت المعتصمين تحت طائلة ولايتها القضائية وجد مناصرو فلسطين في الولاية الأصلانية صك الشرعية بقدر ما أعادت هذه الأخيرة توكيد ذاتها عبر قضيتهم كل ذلك يختزن دلالات بعيدة الأثر في مجتمعات اشتغلت فيها البروباغندا الصهيونية لعقود ضمن رواية أن الإسرائيليين هم أول الشعوب الأصلانية العائدة إلى الديار فلسطين كآخر شريان حياة للحقوق الأصلانية في قصة سالايتا الذي فصل من إحدى أعرق الجامعات الأميركية لعمله في منعقد شديد الحساسية هو وحدة النضال الأصلاني بين فلسطين وأميركا الشمالية ما نسترشد به في الإجابة على سؤال ماذا يستفز أنظمة الاستعمار حقا في تجمعات بدأت واستمرت سلمية بخلاف الحراك الطلابي أثناء حرب فيتنام الذي كان أكثر عنفا وأوسع نطاقا وأعمق تجذرا في المجتمع الأميركي صحيح أن حراك السبعينيات هذا ضغط على عصب حساس بالنسبة للنظام الأميركي في خضم الحرب الباردة وما اكتنفها من صراع بنيوي مع الشيوعية سوى أن قلة من جمهوره كما تظهر دراسة للباحثين ستينلي مورس وستانتون بيل منشورة عام 1971 كانت تميل إلى الاشتراكية كما لم تكن في جوهرها انقلابا على البنية وإنما وفق الدراسة ذاتها دعوة لـإعادة تجديدها ضمن مفاهيم إنسانية ما بعد حربية معولمة يمكن القول إن أي انتصار في أية صورة لقضية أصلانية عبر العالم سيعطي الزخم لغيرها ولنا اليوم في حالة جنوب أفريقيا التي تبعد عن فلسطين مسافة ما تبعد عنها أميركا تقريبا مثال جيد رغم التقاطعات القائمة في الحراكين الطلابيين فإن حالة فلسطين تضرب على وتر أكثر حساسية إنها نقيضة للحمض النووي لأميركا بوصفها المستعمرة الأم منذ كتب كولومبوس في كتاب النبوءات قبل 5 قرون ونيف إنه وجد في تلك البلاد القبيلة اليهودية التائهة ما من شأنه أن يسرع في تجنيد يهود العالم الجديد لتعزيز الجيش المسيحي الذي سيستعيد القدس ويعيد بناء الهيكل ويؤذن بنهاية العالم إلى تصريح رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون في الشهر السابع من محرقة غزة بأن وقوفنا مع إسرائيل توصية إنجيلية وبين هذين البيانين اقترف المستعمرون البيض مجازرهم بحق سكان أميركا الأصليين مسخرين الشعارات ذاتها التي ذخر بها الصهاينة آلة قتل الفلسطينيين الأرض اليباب العودة إلى القدس القديمة العودة إلى الأرض الموعودة جعل الصحراء تزهر أو كما قال نتنياهو بالحرف في أيام الحرب الأولى الحضارة في مواجهة الوحشية تراكم منظومة الاستعمار أصول القوة الصلبة السلاح ووسائل المراقبة ورأس المال وتترك لنا دراستها في جامعاتها ثم في لحظة مواجهتها بالحقيقة تعمد إلى التذكير بمن يملك المقدرة القاهرة على ذلك فإنه وإن قولب الحراك المناهض لحرب فيتنام ضمن التاريخ الأميركي لا يمكن لاحتجاجات ترفع شعار من النهر إلى البحر أن تتماهى مع السيرورة التاريخية الأميركية بأي حال الدعوة إلى تحرر فلسطين أو حتى الدعوة إلى قطع الاستثمارات مع إسرائيل تعنيان جوهريا تحرر أميركا من كولونياليتها وإمبرياليتها ورأسماليتها وتفوقها الأبيض وعنصريتها وأنجيليتها من شأن تلك الحقيقة معطوفة على حقيقة أن الحراكات الطلابية كانت نواة تغييرات جذرية كبرى في أماكن أخرى من العالم من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا إلى الثورة المخملية في تشيكوسلوفاكيا أن تفسر كل هذا السعار البوليسي ربما لا يختلف ذلك الشرطي الذي يسحل طالبة في دوافع عنفه عن المتطرف الأبيض الذي قتل نزيلته الفلسطينية في بداية الحرب التأمل في كل هذا قد يمهد إلى فهم آخر لمسألة من قبيل عودة فكرة الدولة الفلسطينية بقوة في لغة السياسة الأميركية تسوية آخر قضية استعمار حية ستجعل سائر المستعمرات الشقيقة أكثر استقرارا داخل الديار وكشبكة هيمنة عالمية بخلاف الشعوب الأصلانية في الأميركتين التي أبيدت في عتمة التاريخ بالأوبئة والبارود وزمر الدم وسجلات الولادة والقمع الثقافي والاعتذاريات ثم ألحقت في مناهج جامعاتهما كمرثيات معرفية وتحف ثقافية لا تزال فلسطين مشروعا استعماريا غير مكتمل ولا يزال فعل مقاومة الاستعمار فيها حالة حية بل يومية من هنا كان تناسجها مع حقل الدراسات الأصلانية أمرا بالغ الحساسية كما في حالة سالايتا وكذاك لما تنزلت باسمها نظريات ما بعد الاستعمار والاستعمار الاستيطاني إلى ساحة الفعل الطلابي على هذا فإن نذيرا كالذي أطلقه السيناتور الأميركي ليندسي غراهام هزيمة إسرائيل تعني أننا اللاحقون لا يبدو مجرد غلو في الكلام في صيغة مخففة وأكثر واقعية يمكن القول إن أي انتصار في أية صورة لقضية أصلانية عبر العالم سيعطي الزخم لغيرها ولنا اليوم في حالة جنوب أفريقيا التي تبعد عن فلسطين مسافة ما تبعد عنها أميركا تقريبا مثال جيد أبعد من التضامن الأصلاني لا يزال كل ذلك الكلام محض صورة مكبرة لا طبق الأصل عما يمكن أن يكونه الحراك الطلابي في أميركا الشمالية لا عما بلغه في الواقع تراكم منظومة الاستعمار أصول القوة الصلبة السلاح ووسائل المراقبة ورأس المال وتترك لنا دراستها في جامعاتها ثم في لحظة مواجهتها بالحقيقة تعمد إلى التذكير بمن يملك المقدرة القاهرة لهذا السبب تحديدا يرى سالايتا أي ثورة اجتماعية شاملة في الولايات المتحدة وكندا غير ممكنة الآن لأن قوة السلاح تتركز بشكل كلي تقريبا في يد الدولة ومراكز الشرطة تمثل جيوشا خاصة لكل منها استخباراته وعتاده المتقدم لكن هذا في حد ذاته قد ينبئ بتحولات عميقة آخذة بالتجذر زرع كاميرات رقابة في أماكن الاحتجاج اندساس البوليس السري بين المعتصمين تشويه صورتهم في إعلام التيار الرئيسي استعارة مفردات من قبيل خدمة الأجندات الخارجية تهديدهم علنا على شاشات التلفزة من قبل رؤوس أموال بالحرمان من التوظيف تفتيش هويات الطلاب في الحافلات الإغارة على المعتصمين في ساعات الصباح الباكر تجنيد بلطجية لمهاجمتهم تحت ناظري الشرطة دعوة سيناتور أميركي من سماهم المواطنين للتصدي لهم بالقوة ألا يذكر كل ذلك بالأساليب البوليسية ذاتها التي رأيناها من ديكتاتوريات عربية متهالكة خلال ثورة الربيع العربي تكرر جل تلك الوقائع في جامعة ألبيرتا وفي مقابلها كان العمل الطلابي عابرا للألوان والهويات في الاعتصام الذي بدأ بمجموعة من الطلاب الفلسطينيين والمتضامنين كان ثمة سكان أصلانيون عمال ناشطو مجتمع مدني ماركسيون وكذلك من يسمون هنا بـالمتشردين Homeless ومعهم مناصروهم من الفاعلين في قضايا الإسكان هكذا للمفارقة تكاثفت المظالم الموروثة داخل منظومة الاستعمار الكندية من الحق الأصلاني إلى الفقر والطبقية والعنف الجندري وفقدان المسكن في المظلمة الفلسطينية دون هذه الصورة الكلية ثمة مقتطفات أحادية ليست أقل دلالة لامرأة ترتدي القلنسوة اليهودية رغم أنها ليست للنساء والكوفية لأستاذ جامعي يحث في رسالة الطلبة على المشاركة لمتقاعد سبعيني أبيض حضر لأنه روح حرة الآن بعد انتهاء الوظيفة لكثيرين غيره حضروا غير آبهين بخسارة وظائفهم لمئات شهدوا إحياء يوم النكبة في قلب المكان الذي قمعت فيه الشرطة الاعتصام ولتذكار صنعته مشاركة أصلانية مرسوم أحد وجهيه صورة لامرأتين أصلانية بالهندام المزخرف والريشة وفلسطينية بالزي الفلكلوري وغصن الزيتون وكتب على وجهه الآخر من بحر ساليش الاسم الأصلاني للمحيط الهادئ في أقصى غرب العالم إلى فلسطين