إلى فلسطين خذوني معكم
مع انطلاق أسطول الصمود من ميناء برشلونة نحو غزّة المنكوبة، انبثق في ذاكرتي الطفوليّة صوت أم كلثوم يصدح للفدائيّين العرب في طريقهم للكفاح: إلى فلسطين خُذوني معكم، من قصيدة نزار قبّاني أصبح عندي الآن بندقيّة. أمّا أنا فلا بندقيّة عندي، ولا سبيل أمامي للذهاب إلى فلسطين، فأحقّق الحلم البعيد. حلم غرستْه جدّتي العمياء الحكّاءة في رأسي الصغير، فقد اخترعت مخيّلتها حكايةً جعلتني بطلتها، ووضعتْني فيها في مأزقٍ خطر. وسيكون البطل المنقذ عمّي الأثير؛ ابنها الشاب المتمرّد الذي لطالما كان يتسرّب من يوميّاتها إلى رفاقه الشيوعيين ونشاطهم السرّيّ. لربّما كان إعجابُها المستتر به دافعاً بمخيّلتها لأن تجعل منه مناضلاً في فلسطين، بلباسه الفدائيّ وبندقيّته، سيحارب العدوّ وسيعود منتصراً، وفي طريق عودته، سيلقاني مصادفةً، وينقذني من الشرَك الذي أُسرت فيه. أعتقد أنّ جدّتي لم تكن واعيةً لدلالة خيارها الأعمق، بأنّه، حينذاك، كان أيّ انتماء سياسيّ شأناً قابلاً لمحاربته وقمعه، باستثناء الانتماء للفدائيّين العرب والكفاح المسلّح إلى جانب فدائيّي فلسطين. فذلك كان مبدأً ثابتاً صلداً، وبمثابة المَطْهر، في القرن الماضي، وخلال نشوء الحركات النضاليّة العربيّة المناهضة للكيان المحتلّ لأرض فلسطين المقدّسة. فيا لعارنا، اليوم. وما لي حدث واقعيّاً، أنّ عمّي خذلني واختار درْباً مغايراً لأحلامنا المشتركة، وخرج من حكاية جدّتي. لقد أصبح رجل دين. ومذّاك، سترافقني الانكسارات وأمثالي الحالمين بتحرير فلسطيننا من احتلال لم يتوان حتّى الساعة عن إثبات تفرّده بضخامة لا أخلاقيّته ووحشيّته عبر التاريخ.
اليوم، تفشل جهود الصهيونيّة العالميّة الهائلة وسدنتها عقوداً، في تمييع القضيّة الفلسطينيّة ووأدها. ومجدّداً ينطلق أحرار العالم في أسطول الصمود بأكثر من 50 سفينة، رغم إفشال الاحتلال للحملات الإنسانيّة السابقة؛ سفينة مرمرة، ثمّ سفينة مادلين. أمّا سفينة حنظلة، فتولّت حكومة مصر عرقلتها بالنيابة، وسدّت أمامها معبر رفح. ولَئنْ تجّار القضيّة قتلوا صانع حنظلة، فعبثاً يقتلون حنظلة؛ صوت الشعوب المقهورة المقتولة، صوت الكرامة والحرّيّة، صائن ذاكرتنا وبوصلتنا إلى فلسطين أبداً. إذاً انطلق أسطول الصمود يحمل قليلاً من عيد لأطفال غزّة وأهاليها الناجين وكثيراً من التضامن معهم. يحاولون كسر
ارسال الخبر الى: