فلسطين في الشوارع والموانئ والمدرجات

138 مشاهدة

انهار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا حين غدت صورته أثقل من أن تُحمل في الضمير الغربي. لم يسقط ذلك النظام بطلقة واحدة ولا بمعركة فاصلة، سقط ببطء، تحت ضغط ثقافي وشعبي وسياسي أخذ يتراكم مثل مياه سرّية تنحت الصخر، حتى صاغ خطاباً واحداً، جعل من التضامن قوة ملموسة تُترجم إلى مقاطعة وعزلة وعقوبات. في تلك اللحظة كان المشهد شديد الوضوح: شعب يطالب بمساواة لا لبس فيها، والغرب يجد أمامه لغة أخلاقية صافية تسمح له بإدانة بريتوريا ونزع الشرعية عنها. اليوم تعود فلسطين لتطرح السؤال نفسه على ذاكرة العالم، لكن في سياق أكثر التباسًا. ما كان طويلاً استثناءً محروسًا بسردية الكارثة النازية وبوظيفة استراتيجية في قلب الشرق الأوسط، بدأ يتصدع تحت ضغط آخر: الشوارع التي تفيض من سيدني إلى مدريد، الأساطيل المدنية التي تبحر من الموانئ محمّلة بالمتضامنين، المهرجانات الفنية التي تتحول إلى منصّات احتجاجية، والجامعات الغربية التي تهتز على وقع اعتصامات لا تهدأ. ليست هذه مجرد انفعالات عابرة، بل شبكة اجتماعية جديدة، متشابكة العروق، تعيد كتابة حضور فلسطين في المخيال الكوني، لا بما هي ملف سياسي تفاوضي، بل بوصفها أيقونة للتمييز الممأسس وسؤالا أخلاقيا.

لم تعد فلسطين ملفّاً دبلوماسيّاً يتداول في مكاتب مغلقة أو بنداً عابراً في مفاوضات متعثّرة؛ صارت استعارة مكثفة للتمييز الممأسس في هذا الزمن اللامعقول المنتشر على امتداد البسيطة، حيث تفوز الصورة على البيان، ويعلو صوت الاحتجاج العابر للحدود على حساب لغة الدبلوماسية المترددة. الدم المسكوب الذي يطل عبر الشاشات، الأجساد المحترقة والممزقة، الوجوه الهزيلة المحاصرة، والقرى المعزولة خلف جدران وأسلاك، لم تعد مجرد أرقام في تقارير المنظّمات الحقوقية، لقد تحوّلت إلى مادة يومية تتناقلها الهواتف، تضع المتلقّي في مواجهة سؤال أخلاقي عارٍ: كيف يمكن الدفاع عن نظام يصرّ على فرز البشر وفق هوياتهم، ثم يزعم لنفسه صفة الديمقراطية؟ الحكومات الغربية ما زالت تترنّح في ترددها، أسيرة معايير مزدوجة ترى في إسرائيل وظيفة استراتيجية أكثر منها كياناً سياسيّاً قابلاً للمساءلة. لكن كلفة هذا الموقف تتزايد؛ ما

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح