فرقة السبعة وأربعين رقصة فلسطينية في برلين

٢٩ مشاهدة
لعله لم يكن للثقافة الفلسطينية حضور بمثل هذا الزخم وتلك الحيوية مثلما هي الحال اليوم بين جيل العولمة غير الناطق بالعربية من الشباب في الحواضر الغربية تأثرا ولا ريب بدفع حراك تضامن عالمي غير مسبوق مع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية وهو يواجه نذر نكبة جديدة على أعتاب الربع الثاني من القرن الحادي والعشرين أصبحت الكوفية البيضاء المرقطة بالأسود أو الأحمر ومرات بألوان محدثة تشي بشيء من الاستلاب الثقافي اللطيف والطريف ترى في شوارع المدن الأوروبية وحدائقها ومحطات مترو الأنفاق فيها معصوبة تارة حول الرؤوس وتارة معقودة حول الأعناق والخواصر لم يعد مرتدوها ومعتمروها يمثلون بالضرورة الجاليات الفلسطينية والعربية وإنما بات العديد منهم أوروبيي المولد والمنشأ معظمهم من بين الأصغر سنا خصوصا المصنفين جيل زي تزامنا مع اشتداد تصعيد الاحتلال الإسرائيلي إثر بدء مدرعاته السير في اتجاه مدينة رفح ترافقا مع نزوح ما يقارب المليون غزي يتولد التحسب لكارثة إنسانية أخرى تصيب جنوب القطاع وبعد أن تم الحديث عن إرجاء ربما بسبب الاحتقان الناجم عن تضييق السلطات والمؤسسات الرسمية في ألمانيا منذ 7 أكتوبر مساحات التعبير عن التضامن مع غزة قدمت فرقة 47Soul الموسيقية الفلسطينية أخيرا معروفة عربيا بـ فرقة السبعة وأربعين حفلا في العاصمة الألمانية برلين على مسرح ميتروبول وسط المدينة لا بد للحفل أن يوضع في سياق الأحداث فيتفاعل مع الاهتمام المتنامي لدى الشباب العابر للوطنيات بكل ما هو فلسطيني حيث لم تكن الفرقة قد جاءت بأي جديد يذكر لعدة سنوات واقتصر نشاطها على تنظيم الجولات وإحياء الحفلات في شهر مارس آذار الماضي كانت قد دعيت فرقة السبعة وأربعين إلى المشاركة في مهرجان سنوي يقام في جنوب أستراليا إلا أن الدعوة سحبت بذريعة أن الجهة المنظمة لن تستطيع ضمان بيئة آمنة لأعضاء فرقة السبعة وأربعين وذلك بحسب منشور خاص بالفرقة على منصة إنستغرام ثم منذ أربعة شهور أعيد رفع فيديو مصور على قناة يوتيوب الخاصة بالفرقة لأغنيتها الرائجة مقدمة لرقصة شامية Intro to Shamstep في خطوة لعلها تصب في تنشيط المنصة مواكبة للجولات الموسيقية المرتقبة آخرها تلك الأوروبية التي انطلقت من العاصمة البريطانية لندن في 26 مايو أيار الماضي وستختتم في مدينة أوتريخت الهولندية أواخر شهر سبتمبر أيلول المقبل وبينما ينفرط عقد الجولة ما انفك الحراك التضامني مع غزة يتسع خصوصا بين شبيبة الطبقة الوسطى المعولمة من فتيات وفتيان ويتقاطع مع سائر القضايا العالمية السياسية والاجتماعية ليتحول الزي والموسيقى والرقص إلى قوة ناعمة في حوزة الشعب الفلسطيني فيصبح ارتياد حفلة موسيقية في حاضرة غربية تحييها فرقة فلسطينية تجسد بتركيبتها تغريبة الشتات في دول المهجر القريب والبعيد كأنه فعل نشاطوي يتجاوز في معطاه الرمزي مجرد خوض تجربة رائقة Cool في التعددية الثقافية Multiculturalism لعل إعادة رفع الفيديو المصور لأغنية الفرقة Intro to Shamstep تمثل فرصة لتلمس الملامح الموسيقية والثقافية لتلك القوة الناعمة ومدى كمون تأثيرها على شريحة جماهيرية جديدة لم تعد بعد 7 أكتوبر تنتمي بالضرورة إلى الجمهور المحلي للفرقة بحكم النشأة والثقافة وإنما بفعل الانتساب إلى قضية تحرر عادلة ذات بعد إنساني عالمي أو بتعبير التقدميين الجدد بكونها حليفة Ally شعب مقاوم على أرض محتلة انطلاقا من رؤية بين تقاطعية تصل وتساوي بين سائر مستويات المقاومة الأخرى أول تلك الملامح هو الطبيعة الكوزموبوليتية للأغنية التي تقدمها مجموعات الموسيقى البديلة مثل فرقة السبعة وأربعين إذ لا يظهر الموسيقي في زي تقليدي يمثل القرى والبلدات وليس برداء عسكري يرمز إلى الكفاح الثوري وإنما في ملابس عصرية تروق لشبيبة اعتادت العيش والنشاط في العواصم والمدن الغربية والعربية أما على صعيد الأغنية فيسمع مقطع الكوبليه مكتوبا ومنطوقا باللغة الإنكليزية أي نعم ينتهي بالنداء لأجل العودة إلى حياة الفلاحين داعيا عبر صور مجازية إلى الصفاء والأصالة والحرية المطلقة من كل قيد بما فيه ذلك الاحتلال لكنه يختار لندائه لينغوا فرانكا أي لغة عولمة عابرة للثقافات يتقنها شباب العصر ممن كبر ونشط في الحضر ويحسن من خلالها التعبير عن ذاته وما يخالجها من مشاعر وأفكار السمة الثانية هي ما يمكن تسميته الأبوريجينية الفلسطينية Aboriginality أي العودة إلى التراث اللامادي الأشد بدئية ومحلية الضاربة جذوره في الأرض وفي إرث الشعب المقيم بها بوصفه شعبا أصليا ففضلا عن رقصة الدبكة يمثل اللون الشعبي في هذا السياق دور الإشارة الدالة على الهوية الأبوريجينية على اعتباره سليل نغمات وألحان وآلات كالمجوز والطبلة يعود تاريخها إلى الحضارات الزراعية الأولى وبالتالي يتمتع بهيئة سمعية أنثروبولوجية على خلاف لون الأغنية السياسية زمن الستينيات والتسعينيات الموجه نحو ذائقة عربية حين طغت عقائدية الشمولية العروبية على المغنى والمعزف فيها فكان العود والتخت الشرقي والغناء الجوقي من مظاهرها الموسيقية الأكثر شيوعا السمة الثالثة تتمثل بالابتعاد عن الخطاب السياسي العاري المباشر واعتماد لغة تفكيكية قائمة على الرمز المستتر في ثنايا حديث الشارع ونظم أبيات الراب لئن يبدو خطابا كهذا دون مستوى المأساة التي يتعرض لها الفلسطينيون اليوم فسيكون بمقدوره مع ذلك ربما أكثر من أي شكل آخر أشد جهارة وصراحة أن يوسع من مجال الانتساب خصوصا أمام شباب الغرب الذي غيب طويلا عن السياسة الدولية ولا يزال يتكشف طريقا إلى فهم أعمق لقضايا شعوب العالم يصبح تدريجيا أكثر استقلالية من خطاب وسائل الإعلام السائد لعل السمة الأخيرة هي المرافق التي غالبا ما تنشط فيها مجموعات فنية مثل فرقة السبعة وأربعين لتقديم عروضها إذ ليست بالضرورة وعلى الدوام منابر تظاهرات ووقفات تضامنية ولا مسارح جماهيرية لإحياء مراسم احتفالية أو تأبينية وإنما كثيرا ما تكون صالات ديسكو ونوادي للرقص والسمر تكمن أهمية تلك المرافق بأنها تشكل فرصة تماس بالشباب المعولم بغية لقائه في عقر داره والالتحام بنمط حياته ضمن بيئته وفي أجوائه عبر تحريض الفتيات والفتيان على مسك الأيادي وتشكيل حلقات الدبكة عاصبين الكوفيات حاملين الأعلام واللافتات على وقع خلطة عصرية جذابة من التكنو والمجوز ونظم الهيب هوب بات بالإمكان الاستئثار الفلسطيني بالعاطفة الجمعية لدى من يطلق عليهم هيبستر Hipster وهم الفئة الأكثر تقدمية بين تقاطعية من بين الشباب الغربي المعولم الأشد اهتماما بمسعى امتلاك وعي سياسي حر وضمير إنساني نقي والذين طالما سوقت حواضر غربية مثل برلين نفسها لسنين أنها الحاضنة الثقافية الأكثر أمنا وحيوية وحرية لهم

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح