فجيعة السلام في متاهة الهيمنة وتغافل العالم

158 مشاهدة

يمني برس | بقلم | محمد احمد الشامي
إنّه لأمرٌ يدعو للدهشة الموجعة؛ فبينما يتردّدُ في عمقِ الفطرةِ الإنسانيةِ عشقٌ أبديٌّ للسلام والسكينة، وتُجمعُ القلوبُ في كلِّ بقعةٍ من الأرض على أمنيةِ الخير للبشرية، يظلُّ واقعُ الحالِ مروّعاً، تُسيّجهُ قوىً عظمى حوّلتْ عظمةَ الإمكانِ إلى غطرسةِ الهيمنة. هذه القوى، التي تتربّعُ على عروشِ الترساناتِ النوويةِ والفتاكة، لا تكتفي بوضعِ “العراقيلِ” أمامَ نداءاتِ التحررِ العادلة، بل تُقدّمُ دُرُوعَها -صراحةً أو ضمناً- للكيانات العدوانية والمتوحشة، مُرسِّخةً منطقَ القوةِ الأعزلِ من أيِّ أخلاق تكمنُ المفارقةُ الكبرى، والفضيحةُ الأخلاقيةُ للعصر، في المعيارِ المزدوجِ الذي تُطبّقهُ هذه الدولُ العظمى.
إنّها تُشهرُ سيفَ شروطها وقراراتها على حركاتِ المقاومةِ والجهادِ التحرريِّ الصَّغيرةِ، مُطالبةً إياها بانتزاعِ السلاحِ؛ أي بتجريدِ النفسِ من آخرِ حبلٍ واهٍ للنجاةِ والكرامةِ والدفاعِ عن الذات. في المقابل، ترفضُ هي بالمطلقِ أن تكونَ القدوةَ، أن تبدأَ بنفسها بنزعِ سلاحها الفتّاك الذي يهدّدُ وجودَ الكوكب، لتكونَ مناراً يقتدي به الضعيفُ قبل القوي يُصبحُ المطلبُ هنا ليس مجرّدَ تسويةٍ سياسية، بل هو دعوةٌ أخلاقيةٌ وإنسانيةٌ جوهرية: كيف لمن يمتلكُ القدرةَ على تدميرِ العالمِ أن يُطالبَ الرازحَ تحتَ الاحتلالِ والقهرِ بالتخلّي عن وسيلتهِ الوحيدةِ لردعِ العدوان؟ إنّ السلامَ الحقيقيَّ يجبُ أن يبدأَ بتجريدِ الأقوياءِ من أسبابِ طغيانهم، لا بتجريدِ المُقاومينَ من أسبابِ دفاعهم.
إنّ هذهِ الأزمةَ الوجوديةَ لا تبقى نظريةً مجرّدة، بل تتجسّدُ بدمٍ ولحمٍ وأنينٍ في نقاطٍ ساخنةٍ من خريطةِ العالم. ولعلَّ المثالَ الحيَّ والأكثرَ فظاعةً في زمننا، هو ما يجري في قطاع غزة وجنوب لبنان.
في غزة، نشهدُ فصولَ مأساةٍ غيرِ مسبوقة، حيثُ تُمارسُ آلةُ الحربِ المُسلّحةِ بأحدثِ تقنياتِ الدمار، ضدَّ مدنيينَ محاصرينَ لا يملكونَ حولاً ولا قوة، سوى إرادتهم في البقاء. وتتحوّلُ قضيةُ المقاومةِ من أجلِ التحررِ ورفعِ الحصارِ إلى “إرهاب” في أعينِ القوى العظمى التي توفّرُ الغطاءَ والدعمَ الماديَّ والسياسيَّ للعدوان.
أما في جنوب لبنان، فالمشهدُ يتكررُ في لعبةِ شدِّ الحبالِ بين حقِّ الدفاعِ عن الأرضِ والكرامة، وبين التهديدِ الدائمِ بآلةِ الحربِ التي لا

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع يمني برس لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح