فاروق الشرع وحده الاعتداء على تمثال والده أزعج بشار في درعا 6
96 مشاهدة
يصدر كتاب مذكرات فاروق الشرع الجزء الثاني 2000 2015 عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ويغطي فترة من رئاسة بشار الأسد 2005 2015 استمر فيها الشرع في منصبه وزيرا للخارجية ثم في منصب نائب رئيس الجمهورية قبل أن يضطر إلى الاعتكاف بمنزله في 2013 وإصدار الأسد تعليمات بعدم التواصل معه وبينما اعتبر الجزء الأول من الكتاب شهادة تاريخية مهمة على مسار من الأحداث التي شهدتها سورية في تفاعلاتها الإقليمية والدولية خصوصا ما يتعلق بالمفاوضات السورية الإسرائيلية في عهد حافظ الأسد يقدم الشرع في الكتاب شهادته على أحداث لا تقل أهمية في عهد بشار منها اغتيال رفيق الحريري واتهامات مسؤولين سوريين بالتورط في اغتياله ما أسهم في دفع الخروج السوري من لبنان وأحداث عصفت بسورية مع اندلاع الثورة السورية 2011 وتنشر العربي الجديد فصولا من الكتاب وهنا حلقة سادسة تتناول انطلاق الثورة السورية ومساراتها الدموية بعد إصرار بشار الأسد على الحل الأمني رافضا مقترحات الحل السياسي محليا وإقليميا ودوليا انتشر مصطلح الربيع العربي وتغلغل بقلوب الناس وعقولهم واستمدوا منه شحنة كبيرة من التفاؤل بأن أحوالهم سوف تتحسن وفرص العمل ستتوفر والأسعار ستنخفض والعدالة ستأخذ مجراها خلال هذا الربيع ولن تنتظر الربيع القادم ومن جهة أخرى استنفرت هذه الأفكار الافتراضية أصحاب السلطة الرسمية والأجهزة الأمنية في سورية التي رأت فيها مؤامرة صهيو أميركية تستهدف النظام وتهدد الأمن والاستقرار في ربوع الوطن وهذه السلطة هي التي تمثل الشرعية الدستورية التي تقدم الخدمات والوظائف إلى الشعب وتحفظ الأمن في البلاد وتطبق القانون على جميع المواطنين بالتساوي لكن هل كان القانون مطبقا على جميع المواطنين منذ بداية الأحداث فكلنا يذكر الروايات حول عاطف نجيب رئيس فرع الأمن السياسي في درعا ومحافظ درعا الدكتور فيصل كلثوم ومصير لجان التحقيق العديدة التي شكلت لمعالجة أحداث حمص وبانياس واللاذقية وحماة وغيرها الكثير وفشلها في الوصول إلى نهاياتها المنشودة وخاصة ما تعلق منها بإطلاق الرصاص المجهول المصدر في درعا والسلاح والليرات السورية المسحوبة حديثا كما أشيع من المصرف المركزي حيث وجدت فجأة داخل ردهات الجامع العمري في درعا من دون أن يعرف من أدخلها حتى الآن تجاهل الرئيس اقتراحي في 2012 الاجتماع بوزيري خارجية إيران وروسيا لأخذ رأيهما في حل سياسي لعلمه أنهما قد يؤيدانه ثمة مثال آخر إذ جرى حرمان سكان مدينة حماة من خدمات الدولة الضرورية والأساسية في يوليو تموز 2011 ومنعوا من استخدام عمال النظافة واللجوء إلى دوائر الدولة لفض المشكلات والخلافات فيما بينهم بأمر من السلطات الحكومية العليا بعد احتجاجاتهم السلمية كانت وقائع مظاهرة حماة تؤكد أن السلطات لجأت إلى معاقبة أهل المدينة خلافا للقانون والدستور بعد أن خرجوا بمئات الآلاف سلميا من دون حمل سلاح كان وجود السفير الأميركي في المظاهرة حركة انتهازية منه وتمت بموافقة شبه رسمية من الدولة منحتها وزارة الدفاع لقد عوقب أهل حماة جماعيا بقسوة شديدة فسقط عشرات الشباب قتلى بالرصاص كما عوقب غيرهم من المواطنين في المحافظات الأخرى من دون وجود سفراء في استقبالهم واعتقل بعضهم في دمشق وفي غوطتي دمشق الشرقية والغربية وعذبوا منذ بداية الأحداث وقتل عدد منهم ولم يكن بأيديهم سلاح استعانت السلطة الرسمية في سورية مع اشتداد الأزمة في مطلع عام 2012 بمقاتلي حزب الله اللبناني المقاوم ضد العدو الإسرائيلي لحماية القرى الحدودية اللبنانية السورية والأضرحة الشيعية حول دمشق مع ما يعنيه ذلك من إيقاظ الروح المذهبية الطائفية بصورة رسمية في سورية من دون تفكير بعواقبه الخطيرة كما شرعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعدئذ بدفع رواتب مجزية وصلت إلى عدة أضعاف عما يتقاضاه الجندي السوري لمليشيات مذهبية استقدمتها من بلدان مجاورة فضلا عن تجنيدها بعض المتطوعين السوريين الشباب في صفوفها ووعود باحتمال إعفائهم من الخدمة العسكرية لاحقا لأنها أصبحت صاحبة سلطة في دمشق من جانب آخر جرى تزويد مختلف فصائل المعارضة المسلحة من بعض الدول القريبة والبعيدة بسلاح غير رادع لم يحسم الاقتتال ولم يمنع الانتقام فضلا عن السلاح الذي صنعته بعض الفصائل المعارضة محليا أو غنمته خلال المعارك مع الجيش العربي السوري يضاف إلى ذلك ما سمحت تركيا بتهريبه بعد فشلها بإيجاد حل سياسي عن طريق وزير الخارجية أحمد داود أوغلو في مساعيه لإقناع الرئيس بشار الذي فاوضه ارتجاليا طوال صيف 2011 ولم تختتم تلك المفاوضات بتصريحات لتنوير الرأي العام السوري بما جرى خلالها مال وفير وسلاح لا يصلح للردعرغم كل السلاح الوارد عبر الحدود المفتوحة رسميا من دون رقيب خلال سنوات الحرب على سورية والمال الوفير القادم من بعض الدول الخليجية من دون حسيب لم يسمح للمعارضات المسلحة بمختلف أشكالها مواجهة الصواريخ المجنحة والطائرات الحربية والبراميل المتفجرة التي لا تملك المعارضة أيا منها فقد تعهدت كل الدول الداعمة للمعارضة السورية الامتناع عن تزويدها بصواريخ ضد الطائرات الحربية كالتي استخدمت في أفغانستان لإسقاط المقاتلات السوفياتية في ثمانينيات القرن الماضي ومن ثم لا يمكن أن يصدق إنسان في العالم أن كل هذا الدمار الهائل في المدن السورية كان بفعل أسلحة فصائل المعارضة السورية البسيطة الخطأ الذي وقعت فيه المعارضة يكمن في عدم اتحادها أو على الأقل توافق جبهة واحدة بين فصائلها المختلفة على برنامج سياسي موحد لبرامجها السياسية ولعل السبب يعود أساسا إلى تبعيتها لمموليها غير الموحدين أصلا إذ تبين ذلك حين لم ينجح الملك عبد الله بن عبد العزيز في تحويل مجلس التعاون إلى اتحاد خليجي تظل شرعية السلطات الرسمية ومؤسساتها الحكومية بإيجابياتها وسلبياتها مستمدة من الشعب الذي يحتمي بها كما ورد في آخر دستور سوري معمول به لعام 1973 أو وفق الدستور الجديد الذي صدر في عام 2012 لكن الحكومة السورية نفسها تعرضت للتشكيك بشرعيتها ليس لأن معظم دول جامعة الدول العربية قاطعتها منذ نهاية عام 2011 ولا لأن أصدقاء سورية المفترضين من الدول الأوروبية شككوا بشرعية النظام في دمشق وإنما لأن الحكومة السورية نفسها لم تلتزم بتطبيق كامل بنود دستورها فبارك بعض أجنحتها الاعتقال التعسفي والقتل خارج إطار القانون والدستور وبقيت الأحكام العرفية من الناحية الفعلية على حالها وبصورة أسوأ مما كانت عليه سابقا رغم جميع المحاولات الرسمية لإلغائها هل يعقل أن تصبح مئات من الدول في الأمم المتحدة التي كانت تاريخيا مؤيدة المطلب السوري المشروع في تحرير الجولان المحتل فجأة متآمرة على سورية وإذا كان الأمر فعلا كذلك نتيجة للتآمر الكوني ألا يستحق هذا الموضوع الخطير الدراسة والتفكير لحظة وإعادة النظر في مواقفنا غير المقنعة للسوريين أنفسهم أم إن التصدي للإمبريالية العالمية مقتصر على سورية وحدها أما حلفاؤها الكبار الإقليميون والدوليون من إيرانيين وروس فمسموح لهم التفاوض مع الإمبريالية الأميركية في ذروة سنوات الأزمة السورية إيران حول الملف النووي الذي تواصل التفاوض بشأنه خلال الأزمة السورية ما بين عامي 2011 و2015 وروسيا تفاوض حول أوكرانيا حرست مداخل ساحة العباسيين بكتيبة سورية منذ أصبح ميدان التحرير في القاهرة مكانا لتجمع المتظاهرين كنت في الماضي القريب أو البعيد ألوم الرفاق الذين تخلوا سابقا عن مسؤولياتهم لأسباب كنت أراها بسيطة وكانوا هم لا يرونها كذلك ألا يتحتم علي أن أبادر في ظل هذه الأزمة التي نعيشها وهي غير مسبوقة في تاريخ سورية الحديث باعتراف الصديق والعدو ولا بتاريخ حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم أم تترك الأمور على غاربها ويستمر الحط من الحل السياسي ما سيكون له عواقب كارثية على سورية وسيدفع كل السوريين الثمن وحدهم أينما كانوا في الداخل أو في الخارج ولعل هذا الأمر بالذات هو الذي شجعني بعد أن أجهضت كل المحاولات العربية والدولية وفي أعقاب الاجتماعات مع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في زيارته الرسمية إلى دمشق في 7 فبراير شباط أن أقترح على الرئيس عام 2012 دعوة وزيري خارجية إيران وروسيا بوصفهما بلدين صديقين لسورية والاجتماع بهما في القصر الجمهوري لأخذ رأيهما في حل سياسي شامل قد يساعد سورية على الخروج من أزمتها الراهنة تجاهل الرئيس إعطاء أي جواب على اقتراحي رغم تكراره ربما لأنه كان يعرف حينها أن هاتين الدولتين قد تؤيدان الحل السلمي كما صدر عنهما في بداية الأحداث وليس الحل العسكري خاصة إذا كان صاحب الاقتراح هو الرئيس بشار قائد الجيش وآمر فرقه لقد تأكد لي جواب الرئيس الحقيقي على هذا الاقتراح عندما عقدت القيادة القطرية صيف 2012 اجتماعا برئاسته قال فيه إنه من الآن فصاعدا سيقود منفردا السياسة الخارجية من تحت الطاولة وأشار بيده إلى تحت طاولة الاجتماع الرئاسية موحيا بأن المشكلة لا علاقة لها ألبتة ببنية الحكم أو بموقفه الفردي الذي يتخذه رئيسا للبلاد في هذه الأزمة لقد علمت مباشرة من السفيرين الإيراني والروسي اللذين اجتمعت بهما في عام 2012 ذاته أن بلديهما كانا يؤيدان حلا سياسيا في بداية الأزمة حتى إن السفير الإيراني أخبرني حينها أن طهران استقبلت وفدأ من المعارضة الإسلامية السورية لهذا الغرض منتقدا خلال هذا اللقاء كثرة الحواجز العسكرية في دمشق ومعلقا عما يقوله الناس بأن المسؤولين السوريين يختبئون خلف هذه الحواجز وأبلغني السفير الروسي بدمشق نقاطا محددة حول الحل السياسي في سورية شبيهة بالنقاط الست التي وردت في خطة كوفي عنان المدعومة عربيا ودوليا كان عنان قد قدم في 10 مارس آذار 2012 إلى الرئيس خطته ذات النقاط الست وأبرز ما نصت عليه التوصل بشكل عاجل إلى وقف فعال للعنف المسلح بكل أشكاله من كل الأطراف تحت إشراف الأمم المتحدة لحماية المدنيين وتحقيق الاستقرار في البلاد وسحب الوحدات العسكرية السورية من داخل التجمعات السكانية وما حولها والحصول على التزامات من المعارضة بوقف القتال وصولا إلى وقف دائم للعنف المسلح بكل أشكاله من كل الأطراف وتكثيف وتائر الإفراج عن المحتجزين تعسفيا وضمان حرية حركة الصحافيين في أنحاء البلاد وانتهاج سياسة لا تنطوي على التمييز بينهم فيما يتعلق بمنح تأشيرات الدخول واحترام حرية التجمع وحق التظاهر سلميا كما يكفل القانون وعد الرئيس بشار كوفي عنان بالتجاوب مع نقاطه الست ونشر ذلك على الملأ لكن المواجهات الشرسة استمرت في بصر الحرير بدرعا والرستن كما استمرت مداهمات المدن التي كان فيها نشطاء مسلحون كثر ولم تتوقف دورة العنف قط الرصاص الحي في درعاأطلق على درعا مصطلح مهد الثورة في سورية لأنها كانت المدينة السورية الأولى التي أطلق الرصاص الحي فيها وسقط من بين أهلها شهداء مع أن المظاهرات وبعض الاحتجاجات والتجمعات حدثت في محافظات سورية أخرى أيضا وربما بصورة متزامنة لكن من دون سقوط شهداء وضحايا حدثت تجمعات وتجمهرات في دمشق أمام مجلس الشعب ووزارة الداخلية وحول الجامع الأموي وفي سوق الحريقة وفي حي الميدان وأحياء أخرى وكذلك في اللاذقية وبانياس وحمص والرستن وفي الغوطة الشرقية في دوما وجوبر وحرستا والغوطة الغربية في داريا والزبداني والمعضمية على التوالي وفي قرى أخرى بعيدة عن العين والكاميرات أما ساحة العباسيين التي تستوعب عشرات الآلاف في دمشق فلقد جرت حراسة مداخلها بكتيبة سورية لأسباب أمنية منذ أن أصبح ميدان التحرير في القاهرة مكانا لتجمع المتظاهرين في مصر كانت الرسالة واضحة لا سيما للدمشقيين وأبناء غوطتهم بأن التظاهر السلمي ممنوع إلا إذا نظمته الدولة كما حدث مع المسيرة الموالية المنظمة في 29 مارس 2011 التي كانت الأولى وربما الأخيرة بهذا الحجم في العاصمة دمشق ترافقت مع أحداث درعا عدة أحداث في عموم البلاد ولها دلالاتها أبرزها في 15 مارس آذار 2011 فبدأ التظاهر بجمهرة صغيرة في سوق الحريقة بدمشق إثر خلاف بين شرطة المرور وأحد تجار السوق تطور الحدث فجأة بعد أن تضامن مئات غدوا بسرعة ألوفا من الأهالي ضد شرطة المرور وهم يهتفون حاميها حراميها ما استدعى تدخل عدد من رجال الشرطة والأمن ثم كبر الموضوع وكاد أن يخرج عن السيطرة ما استدعى حضور كبار ضباط الشرطة ثم حضور وزير الداخلية اللواء سعيد سمور بنفسه لمعالجة المشكلة المستعصية أطلق على المظاهرة في 18 مارس ثورة الغضب لأنها تحولت بعد تشييع ثلاثة شهداء ودفنهم في مقبرة البلدة في درعا إلى تظاهرة كبرى تمكن وزير الداخلية بحسن تصرفه من إنهاء الخلاف بصورة مرضية للجميع حتى إن بعضهم في الجمهرة العفوية أخذ يهتف باسم الرئيس بينما آخرون كانوا يرددون بصوت مرتفع الشعب السوري ما بينذل اعتبرت بعض الأجهزة الأمنية أن ذلك بمنزلة تمرد لا يجوز التعامل معه بهذه الطريقة مع أنه لا تناقض بين الموقفين فالرئيس الطبيعي لأي دولة لا يقبل الذل لشعبه بأي حال من الأحوال لكن في صباح اليوم التالي في أثناء اجتماع القيادة تساءل عضو القيادة القطرية ووزير الدفاع العماد علي حبيب عن حادثة الأمس بسوق الحريقة وتداعياتها المحتملة في هذه الأجواء فجاءه الجواب من أحد الأعضاء سورية ليست كمصر وتونس وأن تصرف وزير الداخلية قلل من هيبة الوزارة وعند أول تغيير وزاري فقد سعيد سمور منصبه وجرى تعيين وزير جديد ليعيد للوزارة هيبتها المفقودة قصة أطفال درعاأما القصة الأخرى التي تستحق سرد تفاصيلها فقد غطتها وسائل إعلام عالمية وتعاملت معها مواقع التواصل الاجتماعي بكثافة غير مسبوقة في حين تجاهلها الإعلام السوري الرسمي كانت القصة تتعلق بخمسة عشر مراهقا في الإعدادية والثانوية كتبوا على حيطان المدرسة في فبراير شباط 2011 إجاك أتاك الدور يا دكتور اعتقل هؤلاء الفتية من بيوتهم ومدارسهم إثر ذلك لم تنشر وسائل الإعلام السورية الرسمية أي خبر يمت بأي صلة لما حدث معهم لا في البداية ولا في النهاية ولا صححت أي معلومة حولهم حتى لو جاء هذا التصحيح لمصلحة النظام زعمت التعليقات أن أظافر بعض أطفال درعا اقتلعت في أثناء التعذيب لكن اللواء هشام الاختيار رئيس مكتب الأمن القومي الذي أصبح الوطني لاحقا والذي سلم فيما بعد التلاميذ إلى أهلهم باليد أنه لم يلحظ أن أحدا من الفتيان قد اقتلعت أظافره أما الإعلام السوري فاعتبر ما جرى لتلاميذ درعا كأنه لا يمت بصلة لمواطني الدولة السورية وحقوقهم ولا كان موضع متابعة حثيثة في وسائل الإعلام الأجنبية وضج بها العالم انشغل أهالي درعا أسابيع عديدة بقصة اعتقال التلاميذ لا سيما آباؤهم الذين راجعوا كبير مسؤولي الأمن في درعا والمحافظ أكثر من مرة وأراقوا ماء وجوههم في كل مرة سرت شائعات وقصص شتى حولهم وحول دوائر القضاء في درعا وفيما إن كانت هناك قوانين ومحاكم يلجأون إليها انتشرت الشائعات واتسعت مثل بقعة زيت فوق سطح رقيق من الماء لأن درعا مدينة صغيرة يعرف أهلها بعضهم تلاميذ مراهقون قد تأثروا بما شاهدوه على التلفزيون في ميدان التحرير بالقاهرة ومن منا لم يتأثر كتب الأطفال التلاميذ منذ أسابيع على جدران مدارسهم وبعضهم ربما كتب على أحد حيطان البلدة القديمة في درعا أشياء كثيرة كان بينها إجاك الدور يا دكتور والشعب يريد إسقاط النظام علمت أن شبيها بهذه العبارات كتب أيضا على جدران مدن أخرى في المحافظات النائية غير أن السلطات الأمنية هناك كانت تغض النظر وتمحو تلك العبارات حتى لو أعيدت كتابتها في اليوم التالي لا دخان من دون نارهزت العبارات التي كتبت على الجدران العميد عاطف نجيب رئيس فرع الأمن السياسي في درعا لا سيما أنه يمت بقرابة لرئيس الجمهورية وإلا كما أشيع في حوران لما تم تعيينه في هذا المكان الحساس المجاور للجولان السوري المحتل والأردن وإسرائيل هكذا كان حديث الناس في حوران فأهل التلاميذ يعرفون نصف الحقيقة أما النصف الآخر فلا يعلمه الرأي العام السوري إلا من وسائل الاتصال الأجنبية استخلص هذا الضابط من التقارير التي وردت إليه أن التعامل مع أناس تجرأوا على المس بالذات الرئاسية لا يمكن غفرانه كانت خطورة الجريمة المرتكبة في نظره أكبر بكثير من أن تعالج في درعا التي لا تمتلك مثل دمشق العاصمة كل المعلومات والأدوات اللازمة للتعامل مع هذا الموضوع الخطير كان لا بد إذا من سوق التلاميذ إلى دمشق حيث جرى إيداعهم في فرع فلسطين العسكري لأن ذنبهم لا يمكن أن يكون إلا سياسيا كما أفادت تقارير نجيب لدمشق وهذا الفرع كما يشاع عنه يتعامل مع المشبوهين بالتخابر أو العمالة لكن الشائعات كبرت على مستوى العالم وبلغت حدا من الخطورة لعدم نشر أي خبر عما حصل ما دفع إلى الانتفاضة في درعا التي اعتبرت مهد الثورة كان قطع مهمة مشعل كما فكرت فيه بعد فترة قليلة مرتبطا في الحقيقة بالحل الأمني الذي عزم الرئيس سرا على الإقدام عليه أطلق على المظاهرة في 18 مارس ثورة الغضب لأنها تحولت بعد تشييع ثلاثة شهداء ودفنهم في مقبرة البلدة في درعا إلى تظاهرة كبرى وخصوصا حين انضم إليها آباء وأقارب الأولاد الذين كانوا مجهولي المصير كان الجميع خلال المظاهرة ساخطين وهائجين وهم يحاولون اجتياز جسر وادي الزيدي الذي يفصل بين درعا البلد ودرعا المحطة بإيقاع سريع حتى لا يغيب عن أعينهم سراي الحكومة الذي كان ينظر إليه الأهالي على أنه مصدر المشاكل والمظالم اجتازت المظاهرة جسر الوادي إلى فضاء أرحب تضيع فيه أصوات الحناجر العالية والتي لم يسمعوا مثيلا لصداها في أزقة البلدة القديمة ذات البيوت الحجرية المكسوة بالطين حطم المتظاهرون الهائجون كل ما وقعت عيونهم عليه وعبثوا بموجودات سراي الحكومة وبيت المحافظ في درعا وحتى مكاتب سيريتل شركة الاتصالات التي يملكها رامي مخلوف ابن خال الرئيس وحاول نفر من المتظاهرين الغاضبين إزالة تمثال للرئيس حافظ الأسد لكنهم لم يتمكنوا منه لضخامته فمزقوا صورة كبيرة لبشار الأمل الذي ظن بعضهم حتى ذلك الوقت أنه قد يكون مثلهم متمردا على الظلم السلاح والمال داخل الجامع العمريفي المساء لاذ بعض الأهالي بالجامع العمري وسط البلدة القديمة بدرعا بعيدأ عن الأعين لتقبل التعازي وقراءة الفاتحة على أرواح الشهداء سرت تمتمات أن التلفزيون السوري بث صورا لكميات كبيرة من الليرات السورية وقطعا من السلاح عثر عليها في الجامع العمري ساد المكان صمت في منتصف الليل قطعه إطلاق رصاص كزخات المطر العاصف سقط على إثره عدد آخر من الشهداء والضحايا حول الجامع من دون أن يعرف مصدر الرصاص قالت عناصر من الأمن إنهم لم يتأكدوا من أطلق النار في ليل ماطر حالك السواد فلم تستطع قوات الأمن والشرطة السيطرة الكاملة على الموقف في درعا خرج الناس في موجة واحدة غاضبين وتعاظمت الموجة واشتدت الهتافات لم تستطع قوات الأمن والشرطة المحلية السيطرة على الموقف فاستدعت السلطة بعد ذلك عدة مروحيات حطت طائرة في الملعب البلدي في درعا ونزل منها جنود ملثمون يرتدون قمصانا سوداء ظن بعض الأهالي الذين لمحوهم عن بعد بأنهم إيرانيون وظن آخرون بأنهم يمهدون لزيارة الرئيس إلى درعا كانت خيبة أملهم كبيرة لأن الزيارة لم تتم أما قصة القمصان السوداء فتبين أنها مستوردة من إيران قبل مدة كما أخبرني الرئيس نفسه في وقت لاحق عندما التقيته في القصر الجمهوري وأما الجنود فلقد كانوا مع الأسف سوريين جاؤوا لقمع المتظاهرين وليس مقدمة لزيارة الرئيس خارج المدينة هبت القرى المجاورة مثل النعيمة وعتمان وغيرها والتي لا تبعد عن درعا سوى بضعة كيلومترات بالآلاف تضامنا هبوا سيرا على الأقدام وبعضهم تسلق التراكتورات الزراعية هرعت إلى مداخل المدينة إحدى كتائب الجيش المنتشرة في المنطقة وتمكن وزير الدفاع علي حبيب أن يوقف إطلاق النار من الجنود ونجح الضابط الذي اشتهر بشجاعته في معركة السلطان يعقوب والتي أوقفت الزحف الإسرائيلي في البقاع في أثناء غزو لبنان عام 1982 في تجنب مذبحة كبرى في محيط درعا واستعادة البنادق التي انتزعها عدد من القرويين في أثناء عراكهم مع بعض الجنود عند المدخل الشمالي للمدينة أقال رئيس الجمهورية العماد علي حبيب من منصبه بعد أشهر من الحادثة كان قطع مهمة خالد مشعل كما فكرت فيه بعد فترة قليلة مرتبطا في الحقيقة بالحل الأمني الذي عزم الرئيس سرا على الإقدام عليه شكل الرئيس في اليوم التالي في 20 مارس 2011 وفدا للتعزية برئاسة وزير الإدارة المحلية تامر الحجة تمنيت أن يكون الوفد برئاسته لأن وجوده في مقدمة المعزين سيكون له وقع خاص لا سيما أنه لم يزر درعا سابقا فابتسم معتبرأ كلامي إطراء ولكنه لم يقبل فكرة أن يذهب هو شخصيا للتعزية وعقب قائلا ستتفاجأ بأن تامر الحجة قد يصبح بعد عودته رئيسا لمجلس الوزراء وأعقبها بضحكة ظانا بأني أشكك بقدراته على تعيين رئيس وزراء من دون استشارة القيادة القطرية سبق تشكيل الوفد الرسمي سفر وفد أمني ضم عدة ضباط برئاسة اللواء هشام الاختيار رئيس مكتب الأمن الوطني وأسامة عدي عضوي القيادة القطرية والعميد رستم غزالي رئيس فرع ريف دمشق للمخابرات العسكرية وابن محافظة درعا حيث أقاموا في فرع الحزب بدرعا عدة أيام أعفي خلالها المحافظ فيصل كلثوم من منصبه فيما نقل العميد عاطف نجيب إلى موقع عسكري آخر اتصل اللواء علي مملوك بي هاتفيا وكان يومها مديرا للمخابرات العامة وقال لي إن السيد الرئيس طلب من خالد مشعل رئيس حركة حماس أن يذهب إلى درعا ليبذل جهودا لتهدئة الأمور رحبت بهذا التكليف لأنه سيساعد في تهدئة الأوضاع هناك إذ يتمتع مشعل بسمعة طيبة في درعا لكنني فوجئت بعد ساعات قليلة بأن الرئيس طلب من مملوك إعادة مشعل إلى مقره في دمشق ولو كان في منتصف الطريق لأن مساعيه لن يكتب لها النجاح المطلوب كان قطع مهمة مشعل كما فكرت فيه بعد فترة قليلة مرتبطا في الحقيقة بالحل الأمني الذي عزم الرئيس سرا على الإقدام عليه عاد الوفد الرسمي من درعا ورفع تقريره إلى الرئيس الذي لم يطلع أيا من المؤسسات عليه لا مجلس الوزراء ولا الحزب ولا الجبهة الوطنية علمت ببعض المعلومات عن مضمون التقرير إلى اللجنة السياسية التي يجتمع أعضاؤها دوريا في مكتبي والتي شكلت منذ عدة سنوات برئاستي كان بعض أعضاء اللجنة يعرفون شيئا عما جرى ولا يعرفون كل شيء كان مفاجئا لي ولأعضاء اللجنة مثلا أن عدد البعثيين الذين واظبوا على التزامهم الحزبي في محافظة درعا في أثناء بداية الاضطرابات عام 2011 لم يعد يتجاوز 7 من المسجلين في فرع درعا وهو وضع يستدعي التفكير في الانهيار الذي وصل إليه وضع الحزب الحاكم في سورية مطالب الأهالي في درعاروى لنا فيصل المقداد نائب وزير الخارجية وعضو اللجنة السياسية الذي سنحت له فرصة التنقل في محافظة درعا عدة أيام بعد انتهاء اللجنة الحكومية من مهمتها في التعزية أنه استمع لعدد كبير من مواطنين عاديين ووجهاء ونخب وحزبيين في محافظة درعا فأجمعوا أن طريقة معالجة ما حدث وخاصة اعتقال الأولاد وإرسالهم إلى دمشق واستهتار المحافظ وأجهزة الأمن بأهاليهم والمعاملة المذلة والمهينة التي استقبل بها آباؤهم وعدم إطلاق سراح أبنائهم هو الذي أجج مشاعر الأهالي ودفعهم إلى الاعتداء وتحطيم كل ما وقع تحت أيديهم بما في ذلك تحطيم سيارة المحافظ الذي أنقذه في الوقت الحرج أحد المواطنين كان في المظاهرة كانت مطالب أهالي درعا تتلخص في التالي أولا إطلاق سراح التلاميذ المعتقلين ثانيا اللجوء إلى الأهالي بدل الاستعانة بتعزيزات عسكرية من دمشق ثالثا التحقق من أن أحد أجهزة الأمن هو الذي أدخل الأسلحة والأموال إلى الجامع العمري طالب بعض الأهالي أن يزور الرئيس درعا ليطلع بنفسه على أحوال الأهالي وأكدوا أن زيادة الرواتب لا تحل مشكلة للذين يعملون بوظائف غير حكومية وخاصة بعد زيادة أسعار المازوت التي تهم المزارعين أيضا تحدث المواطنون في درعا عن الآثار الكارثية للقرار الحكومي 49 المتعلق بالمناطق الحدودية الذي منعهم من التعامل مع عقاراتهم وممتلكاتهم إلا بموافقة السلطات الأمنية ما يعني دفعهم رشى أو إرضاء بعض المسؤولين كما أصر الجميع على المطالبة بإجراء تحقيق في الأحداث وخاصة مع العميد عاطف نجيب حيث اعتبروا أنه أساء للقوات المسلحة قبل أن يسيء إلى أهالي الأولاد في درعا لأن رئيس الجمهورية باعتباره قائدا أعلى في الجيش والقوات المسلحة اكتفى بنقله إلى موقع آخر خارج المحافظة بدلا من كف يده كما حصل مع المحافظ فيصل كلثوم اخترعت بعض الأجهزة الأمنية سيناريو المندس في صفوف المعارضة الذي لم يقبض عليه أبدا دعينا إلى اجتماع القيادة القطرية صباح 23 مارس 2011 في القصر الجمهوري وترأسه الرئيس كنت وبقية أعضاء القيادة نتوقع أن يضعنا في صورة ما وصل إليه من معلومات حول الأحداث الدامية في درعا وتفاصيل ما جرى في الجامع العمري وصحة الشائعة حول ما قيل إن الأسلحة والنقود التي وجدت لم تكن من فعل الأهالي ومضمون ما سمعه من الوفود الرسمية الرئاسية التي عادت للتو من درعا لكن الرئيس لم يوضح ما جرى ولم يضعنا في أي تفصيل حول ما سمعه عن أحداث درعا كان واضحا لي أن انزعاجه كان متمحورا حول ما أصاب صورته من تشويه في درعا بالدرجة الأولى فقال بصوت متهدج أنا لا يهمني سوى الاعتداء على تمثال الرئيس حافظ الأسد ولا تهمني صورتي الشخصية ملتفتا إلى يمينه كأنه يوجه غضبه المكتوم نحو محمد سعيد بخيتان الأمين القطري المساعد لحزب البعث فهم بخيتان الرسالة وحاول تهدئة الرئيس بقوله يا سيادة الرئيس كل شيء سيعود كما كان التمثال والصور وأي شيء تعرض للتخريب كانت سمات الغضب واضحة على وجه الرئيس واستمر بالاستفسار من أعضاء القيادة القطرية وقال في نهاية الاجتماع لا بد من إصدار قرارات عن هذا الاجتماع للقيادة القطرية وتابع وهو يقرأ من ورقة أمامه زيادة في الرواتب ووضع آليات جديدة لمكافحة الفساد والنظر في إلغاء الأحكام العرفية وستبلغ بثينة شعبان وسائل الإعلام بكل هذه الأمور منهيا الاجتماع بعد ذلك بالوقوف لترديد شعار الحزب مؤتمر شعبان والمؤامرةلدى خروجنا من هذا الاجتماع المقتضب الذي لم يكن يتناسب مع فضول ما لدى أعضاء القيادة من أسئلة واستفسارات لم يترك الرئيس مجالا لأحد كي يتحدث إليه باستثناء بثينة شعبان المستشارة الرئاسية للإعلام والتي هرعت وراءه وهو يحدثها بكلتا يديه عما هو مطلوب منها قوله ظهرت شعبان بعد ذلك من وراء الميكرفون في القصر أمام حشد من الإعلاميين حاضرت شعبان فيهم عن الأزمة والفتنة والمؤامرة التي تستهدف سورية والمنطقة أما قرارات القيادة القطرية التي كان يجب أن تصبح محور المؤتمر الصحفي فقد مرت عليها بعجالة إلى الحد الذي نسي الرأي العام السوري فيه القرارات التي اتخذها الرئيس والقيادة القطرية لمعالجة الأزمة التي تمر بها البلاد يوم الجمعة بعد يومين على المؤتمر الصحفي لبثينة شعبان تفاقم الوضع مجددا في درعا واتسعت المظاهرات لتشمل معظم الريف وتمتد خارج المحافظة إلى بعض المناطق في غوطتي دمشق الشرقية والغربية وكذلك بانياس وحمص ومنطقة الصليبية باللاذقية قرر الرئيس عندها إلقاء خطاب في مجلس الشعب جرى تحديده في 30 مارس 2011 زرت الرئيس في مكتبه وأشعرته بضرورة أن يوضح أمام مجلس الشعب قرارات القيادة القطرية المتخذة الأسبوع الماضي برئاسته وخاصة النظر في إلغاء الأحكام العرفية وضرورة التعبير عن أسفه البالغ لفقد سورية شهداء من المدنيين والعسكريين على حد سواء فهز رأسه بالموافقة أدليت عندها بتصريح صحفي قلت فيه إن الشعب سيسمع من السيد الرئيس ما يسر الجميع إلا أن الرئيس مع الأسف لم يف بما وعدني به وأغفله في خطابه في مجلس الشعب وبدلأ من ذلك أمر بإخراج مسيرات ضخمة مؤيدة له في دمشق وبعض المحافظات قبل الخطاب ترافقت مع إقالة محمد ناجي العطري من رئاسة الوزارة التي شكلها عام 2003 والتي لم تجر مناقشتها في القيادة القطرية خلافا للأعراف كان معروفا في الوسط السوري أن وزارة العطري كانت عنوانا ولسنين عديدة لعملية تحرير الاقتصاد السوري بقيادة نائب رئيس الوزراء عبد الله الدردري وهي سياسة ذات جرعات نيوليبرالية ثقيلة بالمعايير السورية لم تكن تحظى بقبول واسع نظرا إلى أبعادها السلبية على بعض قطاعات الشعب ولا سيما على القطاعين الصناعي والزراعي لذلك فسر الإعفاء في سياق امتصاص بعض من جوانب النقمة الشعبية الحاصلة عبر التضحية بوزارته اعتبر أحد أعضاء القيادة أن لخروج مسيرات كبيرة في هذا الوقت بالذات دلالة على التأييد الشعبي للنظام وليس على آمال الناس بسماع خطاب يرضي تطلعاتهم بعدما انهمكت أجهزة الإعلام السوري وفي مقدمتها التلفزيون السوري ببث مقابلات عن تلك التطلعات ونشرت صحف لبنانية قريبة من القيادة السورية عن سلسلة إجراءات إصلاحية عملية سيعلن عنها الرئيس علقت حينها قد لا نستطيع بعد عدة أشهر رغم وجودنا في السلطة إخراج نصف هذا العدد مع ذلك كنت سعيدا بما توقعته بأن كلمته ستكون منحازة إلى الشعب أو أقرب إلى نبض الشارع بعد لقائي معه ظهر الرئيس بالصوت والصورة في 30 مارس 2011 في مجلس الشعب وكان في استقباله رئيس المجلس محمود الأبرش خارج مبنى كان منشرح الصدر منتشيا وهو يدخل القاعة وسط عاصفة من التصفيق لا سيما أنها المرة الأولى التي سيتكلم فيها منذ اندلاع الأحداث في سورية أشار في كلمته إلى درعا وإلى اللاذقية أيضا محملا مسؤولية ما يجري من أحداث إلى المؤامرات الخارجية من دون أن يسمي أية دولة متآمرة وكرر مصطلح الفتنة لم يعلق على ما جرى من لغط وإشاعات حول الجامع العمري والمال والسلاح الذي عثر عليهما في داخله ولا عن قرارات القيادة القطرية التي كان ينتظر أعضاء المجلس كي تتوثق بحديثه لكنه اكتفى بالثناء على أهل درعا وتضحياتهم فاستجر من مجلس الشعب تصفيقا مدويا قد أحبطني بشدة ما سمعته خاصة أنه جاء مخالفا لما اتفقنا عليه لكنها ليست المرة الأولى أو الأخيرة التي لا يعمل فيها الرئيس بالنصيحة التي أسديتها إليه رغم الموافقة الظاهرية عليها في خضم استمرار هذه الأحداث الدامية وعدم توفر أدوات سلمية في سورية لمنع تحول المظاهرات إلى أعمال شغب وفتنة وضرورة استخدام خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي بدلا من الرصاص الحي نقلت للرئيس مباشرة هواجسي وهواجس اللجنة السياسية حول هذه الأمور قلت له إنني رأيت تأثيرها الكبير في المظاهرات في أثينا باليونان قبل يومين أجاب بأننا في سورية لا نملك هذه الأدوات مع الأسف شاهد كثير من المواطنين خراطيم الدبابات في المدن ولكنهم لم يروا خراطيم المياه في مواجهة المتظاهرين تولدت في درعا حلقة شيطانية دموية تشييع إلى المقبرة تليها مظاهرات غاضبة فقتل بالرصاص الحي فتشييع فقتل لتبدأ حلقة مرسومة بالدم لم تنته عند حدود المقبرة ولا عند حدود المحافظة هذه الحالة الراهنة لأحداث درعا أبلغناها للرئيس شفهيا وخطيا مرفقة بمحاضر اللجنة السياسية التي تضم كبار المسؤولين في الحزب والدولة عله يأمر بوقف إطلاق النار بعد مجزرة الصنمين أمر بشار بإخراج وسائل الإعلام العربية والأجنبية من سورية صدرت توجيهات رئاسية في 21 إبريل نيسان 2011 بمراسيم جمهورية افتراضية مثل رفع حالة الطوارئ في سورية وتنظيم حق التظاهر السلمي كما شكلت لجنة للتحقيق بأحداث درعا وأخرى في اللاذقية ولجنة ثالثة لحل مشكلة إحصاء 1962 الاستثنائي في الحسكة الذي صنف نحو 28 في المئة من سكان الجزيرة السورية محافظة الحسكة باعتبارهم أجانب وأطلق عليهم في السجلات الرسمية اسم أجانب تركيا وأضيف قرار لمكافحة الفساد كان إبريل 2011 حافلا بالتوجيهات الرئاسية التي لم تبصر النور ربما بسبب تدخل أيد خفية غيرت من المراسيم المعلنة ما عدا ما ورد منها بخصوص منح الجنسية لمواطنين أكراد وفق الإحصاء المذكور وكان هذا الموضوع على طاولة الرئيس منذ عام 2004 بعد تقارير من عدة لجان حزبية وأمنية بمعرفته ولم يوافق على أي منها سعت القيادة القطرية بشكل جاد منذ بداية الأحداث إلى وضع الأسس القانونية للتظاهر السلمي والآليات اللازمة لتطبيق إلغاء قانون الأحكام العرفية لأنه أم المشاكل في سورية بسبب اتصاله بحياة الناس وكرامتهم وساهم في هذا الموضوع الأمين القطري المساعد محمد سعيد بخيتان ورئيس خلية الأزمة العماد حسن تركماني ليس من المعقول مثلا أن يعتقل مواطن من بيته في الفجر من دون إذن من النيابة العامة ويخضع للتحقيق لمدة غير محددة وأن يتعرض للتعذيب وقد لا يحال إلى القضاء أذكر أن اللواء هشام الاختيار بعد أن عاد من مدينة حماة بتكليف من القيادة بعد مجزرة بشعة ومهولة بحق المتظاهرين ارتكبها فرع الأمن العسكري روى أن سكان حماة شكوا بأنهم يحتاجون إلى أكثر من سبعين موافقة أمنية لتسيير شؤون حياتهم بشكل طبيعي واتخذ الاختيار في الاجتماع مع أعيان حماة وشخصياتها قرارات عاجلة بإزالة عديد من المشكلات والمظالم التي حدثت على خلفية أزمة الثمانينيات مع جماعة الإخوان المسلمين لكن لم ينفذ أي منها اخترعت بعض الأجهزة الأمنية سيناريو المندس الذي لم يلق القبض عليه أبدا لإقناع الناس بصحة وجوده في صفوف المعارضة لقد تحول المندس بعد مدة من الزمن إلى تندر وسخرية بين الناس في سورية أذكر أنني قلت للرئيس في مكتبه لماذا يطلقون النار بدلأ من اللجوء لتفتيش البيوت غرفة غرفة وسد مداخلها ومنافذها لإلقاء القبض على المندس كما نرى في دول أخرى أفهم أنه ليس المطلوب من الجيش أن يؤيد المظاهرات لكن واجبه أن يتصرف بحيادية وحكمة لا أكثر ولا أقل تجاهل الرئيس ذلك كله بل صدرت منه الأوامر حينها بإخراج وسائل الإعلام العربية والأجنبية من سورية لا سيما بعد مجزرة الصنمين التي راح ضحيتها عشرات من المتظاهرين في 25 مارس 2011 من بينهم أطفال ونساء قليل من المهتمين بالسياسة وبالشأن العام يعرف أن قانون الأحكام العرفية موجود في القانون في سورية قبل حكم البعث عام 1963 وكانت آخر صياغة للقانون الذي عملت به حكومات البعث منذ 8 مارس 1963 قد ورثها الحزب عن عهد الانفصال ومع ذلك هل يجوز استمرار العمل به لأنه من صنع الذين قبلنا سواء أكانوا انقلابيين أم ديمقراطيين وبرلمانيين وماذا يعني الإصلاح والتحديث إذا لم يشمل أيضا الإصلاح السياسي في بلادنا أم إن انتهاج الإصلاح الاقتصادي من دون إصلاح سياسي هدفه زيادة الغني غنى والفقير فقرا دون أن يكون له رأي سياسي آخر حاول رئيس الوزراء الجديد الدكتور عادل سفر فور تسلم منصبه في مايو أيار 2011 أن يضع آليات لتفعيل بعض القرارات الإصلاحية المتعلقة بالإعلام والأحزاب ومكافحة الفساد لكن الزمن لم يسعفه حيث أقيل من الحكومة بعد حوالى السنة أزيح عادل سفر عن منصبه ربما لأنه لامس الخطوط الحمراء لبعض العقود الحكومية مع القطاع الخاص والتي كانت شروطها مجحفة بحق الدولة مثل أحد عقود الهاتف الخليوي مع شركة سيريتل حيث ذكر في اجتماع القيادة القطرية تحديدا الإجحاف في تلك العقود نظرا إلى قلة مداخيلها على الخزينة العامة بالمقارنة مع أرباح الشركة عين رياض حجاب رئيسا للوزراء في يونيو حزيران 2012 بتوجيه وإشادة من الرئيس بالذات ومن دون عرض اسمه على القيادة لكنه غادر الحكومة إلى الخارج منشقا عن الدولة بعد شهرين فقط