يجنح الإنسان العربي للطرب بطبعه وأقول الإنسان العربي لا لأميزه على أعراق أخرى فذلك لا يروق لمثلي إنما المسألة تظهر حين نقتفي أثر هذه الحضارة العربية فنجدها منذ البداية غنية أو غارقة لو شاء آخر أن يقول في ما هو حسن الصوت في ما يطرب سواء عبر الترانيم أو النشيد أو التجويد والشعر والغناء وكل هذه تفضي إلى أمة أو أمم تقولبت وتطبعت على إرساء أفكارها في ما له صدى صوتي وحسي حسن يحرك الجسد والفؤاد ويحيلهما إلى كوكب تفاعلي مع الأنغام أذكر ما سبق لأقول إعجابا إن أهل غزة يعتلون نواصي النشيد هذه الأيام فتجد الصوت الحسن في كل حارة وبيت وشارع وهذا النشيد هو أنس الجريح روحا وجسدا وبيتا وفقدا النشيد أمل الروح بالروح وتحييد وتجاوز القلق بينما الصوت يصدح منشدا أو مغنيا هو قلب الواقع رأسا على عقب لعل كآبة القهر والظلم تتراجع وتخفت على أثر استئناس الروح بأسمى ما بها من دواء وهو الغناء تصبح لفظة الصاروخ والطائرات والزنانات وكل أدوات القتل والإجرام الصهيونية ملطة كما يقال بالعامية نعم هي تقتل وتدمر وتشوه إلا أنها في الوقت نفسه لفظات يسخر منها الصامدون المحتسبون القابضون على جمر جراحهم وفقدهم في غزة أنهم ما زالوا يقاومون وأن العدو المجرم لن ينال من عزيمتهم وأنهم وأرضهم وأهلهم نداء وجود يربطهم بتاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم تذوي أصوات الزنانات وطائرات الموت أمام رقة أغنياتهم وتكثر الرسائل في الأغاني والأناشيد فمن الاحتفاء بالشهداء والطبطبة على الجرحى إلى التمسك بالصمود وتطييب الخواطر والقول إن أثرى ما في حياتنا كرامتنا التي هي جذوة مقاومتنا وعنوانها الأسمى فماذا سيفعل المحتل الصهيوني وولاة أمره السفلة في البيت الأبيض وكل بيوت الحكم الغربية التي تعمل خدما عند الصهيونية العالمية القذرة مع أغنية كهذه بعد ثمانية أشهر من الموت الزؤام المفروض على غزة اصمدي يا غزة العزة القصف بهون رح نوخذ بتار الشهداء البطل بمليون إلك علينا هالعهد إحنا ما بنخون أرضي يا أرض السلام يا بلد الزيتون يغني أهل غزة في المخيمات وفي الطرقات والأسواق وعلى أسرة المرض إن وجدت وأمام البحر وبين الأزقة والمقابر تغني عيونهم وأجسادهم وأرواحهم ويغنون من غصتهم على بعض مؤثر من العالم الخسيس الذي تسيطر عليه شرائع الغاب الصهيونية والأميركية يغنون وكأنهم شمعة في الظلام الدامس تضيء أصواتهم لمن أعماهم ضيق الدروب يغنون ليستأنسوا ويؤكدوا لأنفسهم ولنا نحن الذين نحبهم ونقترب منهم لأنهم أعماقنا التي تقترب من مصائرهم أنهم ما زالوا أعزاء وتبا لكل المعتدين نموت بعزة يويا صمدنا بغزة يويا شعب جبار يويا رغم الحصار يويا طيران ضربونا يويا أشلاء خلونا يويا يوم سبت سبات آجوا الخواجات يويا قصفوا حارتنا يويا كسروا لعبتنا ما بدنا نهاجر يويا رفضنا نهاجر يويا نموت بعزة يويا صمدنا بغزة وكم هو مؤثر أن نسمع أهل غزة وهم يجودون آيات من القرآن آيات من هذا الكتاب المعجزة اللغوية والبنيوية والتصويرية والعميق المعاني والأثر في نفس كل من تسوقه نفسه للسمع حسن النية فمهما كانت الخلفية الفكرية للسامع يسمو القرآن بالنفس الخاوية ويؤنسها في ما حسن من مآربها كما في حين الجرح والفقد والتيه والسؤال كتاب تتسابق كلماته ومعانيه للتعبير عن واقع كثير الوجوه قليل ما فيه يفضي إلى خلاص طال انتظاره كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في لندن