لم يكن ينقص العالم الإسلامي سوى المأساة التي أحاقت بمئات الحجاج وذويهم والتي بدأت أنباؤها تتوارد مع أول أيام عيد الأضحى في وقت كان الضحايا يستعدون للعودة إلى ديارهم هانئين بأداء الفريضة وخلافا لما وقع في أعوام ماضية من وفيات طبيعية في هذه المناسبة نحو 240 في 2023 اتسم حدث هذا العام بسقوط أعداد أكبر فحتى ظهيرة الخميس الماضي تحدثت الأنباء عن 600 وفاة في صفوف الحجاج المصريين و132 حاجا من إندونيسيا و68 من الهند و41 وفاة بين الحجاج الأردنيين و35 بين الحجاج التونسيين و21 حاجا جزائريا وهذه الأعداد كما يبدو مجرد عينة على المتوفين ممن ينتمون لستة بلدان فقط وغير نهائية حصيلتها حتى تاريخه 922 وفاة إذ يخشى أن تكون الحصيلة الإجمالية أكبر وهذا لا يقلل بطبيعة الحال من أثر الجهد الفائق الذي بذلته السلطات السعودية وأنقذ أزيد من ألفي حالة وسط عدد إجمالي هائل بلغ 1 8 مليون حاج يشار ابتداء إلى أن الارتفاع الاستثنائي لدرجات الحرارة السبب الرئيسي لحدوث الوفيات إذ شارفت درجة الحرارة في مكة على 52 درجة ما تسبب في الإجهاد الحراري وفي تهديد مباشر للحياة علما أن هذا الارتفاع غير المسبوق شمل بلدانا عدة في المشرق العربي منذ مطلع يونيو حزيران الجاري وواقع الحال أن توقعات الطقس كانت تشير مسبقا إلى هذه الحالة التي لم تأت مفاجئة إضافة إلى أن معظم الوفيات وقعت في صفوف الحجاج ممن قدموا على مسؤوليتهم ويصنفون بغير النظاميين وليس عبر بعثات الحج الرسمية فلم يتمتعوا برعاية أو متابعة على أن مما يبعث على الأسى فوق ذلك بروز ظواهر مستجدة ومقلقة لهذا العام من أهمها ظاهرة المفقودين بين الحجاج رغم أن بعثات الحج مزودة بمرافقين ورغم استعدادات استثنائية بذلتها السلطات السعودية لتأمين موسم الحج وقد تبين في حالة الأردن مثلا أن معظم المفقودين وصلوا إلى الأراضي السعودية بتأشيرات سياحية وبعضم بتأشيرات زيارة أو تأشيرة عمرة وليس التأشيرة الخاصة بأداء مناسك الحج وفي حالة الأردن ما زال حتى كتابة هذه الكلمات 22 حاجا مفقودين بعد العثور على 86 من المفقودين ومن غرائب ما حدث أن بعض المتجهين لأداء الفريضة سلكوا طرقا غير معهودة من وديان وجبال في جنوب الأردن للوصول إلى الأراضي السعودية ومنها إلى مكة المكرمة لعدم تمكنهم من الحصول على تأشيرة حج معظم الوفيات وقعت في صفوف الحجاج ممن قدموا على مسؤوليتهم ويصنفون بغير النظاميين وبهذا تضافرت عوامل عدة أدت إلى هذه النتيجة من فقدان الأرواح وفقدان أشخاص فمع أن منطقة الشعائر المقدسة 32 كيلومترا مربعا مشمولة بنظام التبريد إلا أن الازدحام الشديد كما يبدو قلص من فرص الاستفادة منه وقد أحدث فقدان بعض الحجاج الرعاية والمتابعة وغياب المرافقين حالة من الارتباك والضغوط العصبية والنفسية التي أودت بحياة بعض الحجاج وهنا تتوزع المسؤولية بين الحجاج الذين غامروا بأنفسهم ومنظمي الرحلات ممن لم يأخذوا في الاعتبار مشاق هذه الرحلة ومخاطرها وبين الجهات الرسمية المولجة بالإشراف على المكاتب السياحية وتنظيم عملها كما أن القرارات بقصر أداء الفريضة على من يحملون تأشيرة الحج ربما جاءت متأخرة بعض الشيء في وقت كان من يهيئون أنفسهم للمناسبة معتمدين على وصولهم إلى الأراضي السعودية بطريقة مشروعة ويسترعي الانتباه أن دولا عديدة بينها دول عربية اعتصمت بالصمت حيال ما جرى ولم تدل في الوقت المناسب ببيانات واضحة ما ترك تقدير الحالة نهبا للتكهنات وأحيانا للشائعات غير أن الأخطاء الرسمية لم تقتصر على الفصل الختامي من هذه المناسبة إذ اكتنفت الأخطاء جوانب مهمة من تنظيم هذه العملية يشرح رئيس عمادة الأطباء الجزائريين بقراط بركاني لموقع البلاد المحلي جوانب القصور بقوله إن 50 من الحجاج الجزائريين لهذا العام غير مؤهلين صحيا فأغلبهم من كبار السن ويعانون من أمراض مزمنة وسمح لهم بالسفر من باب التعاطف معهم أو لصلات القرابة وقال إن من الضحايا الـ21 مصابين بأمراض القلب وبألزهايمر وشملت انتقاداته البعثة الطبية المرافقة للحجاج حيث يختار أعضاؤها على أسس غير مهنية وبعيدا عن الشفافية ويستمر بعضهم في عضوية البعثة أربع سنوات أو خمسا على التوالي وفق قوله ربما يتم من طرف خفي اعتبار الوفيات خلال أداء الحج آية على حسن خاتمة المتوفين وقد تدخل أحد المرافقين للحجاج التونسيين على راديو إي أف أم ردا على انتقادات وجهت للمسؤولين عن الحج هذه السنة وخصوصا المرافقين بسبب ضياع عشرات الحجيج وقال إن المرافقين أدوا دورهم كما يجب لكن بعض الحجاج لم يستمعوا إلى نصائحهم وسهر 130 مرافقا على راحة 11 ألف حاج وحاجة وأفاد بأنه وزميلين له رافقوا 274 حاجا وقال إن ستة حجاج مرضى بألزهايمر هكذا يتسع صدر السلطات غير المعروفة بسعة الصدر فتأذن لمرضى ألزهايمر ممن يصادفون صعوبة في أداء أبسط المهام اليومية بمغادرة البلاد وتحمل مشاق أداء فريضة الحج وتتكتم السلطات هنا وهناك على ما جرى رغم أن وسائل إعلامها لا تتوقف عن بث تصريحات المسؤولين على مدار الساعة وربما يتم من طرف خفي اعتبار الوفيات خلال أداء مناسك الحج آية على حسن خاتمة المتوفين علما أن وقائع بعض الوفيات تخبر عن جوانب قصور وإهمال وليس عن وفيات طبيعية أو في ظروف طبيعية والأقسى أن هذه المناسبة إذ تثير في العادة أجواء من الحبور في نفوس الحجاج وذويهم كما تنبئ عن ذلك الاحتفالات البهيجة بعودتهم فإن الأخبار الأليمة لهذا العام قلصت من منسوب الفرح وأحيت الانطباع بأن أحوال العالم الإسلامي ما إن تنصلح في موضع حتى تتقهقر في آخر وإلى أن يشمل الرشد سائر مناحي الحياة ومرافقها