تقف هذه الزاوية مع مبدع عربي في أيام العدوان على غزة وكيف أثر على إنتاجه وحياته اليومية وبعض ما يود مشاركته مع القراء تشاؤم العقل ممزوج بتفاؤل مبعثه المقاومة على الميدان يقول الباحث والأكاديمي التونسي لـالعربي الجديد ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوان إبادة على غزة في الواقع منذ تكشفت درجة العدوان ونتائجه وأبعاده تراجعت الهواجس البحثية واليومية عن الصدارة وامتزجت الحياة عموما بأخبار وصور غزة حتى تحولت غزة إلى مصفاة أرى من خلاله الأشياء يصاحب ذلك الشعور بالحرج بالذنب الذي يصبغ لحظات الفرح والسير العادي للنشاط المهني والحياتي وتأتي أحيانا لحظات الإحساس بتفاهة التفكير أو الإبداع الذي لا يتخذ من غزة موضوعا وهدفا له ولكن تشاؤم العقل هذا كما يقول غرامشي ممزوج بتفاؤل مبعثه المقاومة على الميدان وفي ميادين لم نكن نحسب لها كبير حساب مثل الجامعات الأميركية والأوروبية بما في ذلك جامعتي جامعة أوكسفورد فيعود إلي بعض التوازن كيف أثر العدوان على حياتك اليومية والإبداعية أنا باحث وجامعي بما في ذلك من مسؤوليات تجاه الطلبة والتزامات بحثية وانشغالات معرفية كل ذلك في إطار جامعة غربية عريقة لها سلطة قوية وتاريخ ملتبس مع فلسطين والقضايا العربية تخصصي الأساسي هو الأدب العربي لغير العرب أي تقديم وتحليل الجانب الإنساني والإبداعي من الثقافة العربية والعدوان وضع كل ذلك على المحك حيث شكل تهديدا على إنسانية الفلسطيني في عمقها ليس فقط باعتبارها وجودا ماديا وإنما بكونها فكرة وإبداعا وبذلك تحداني هذا العدوان بأن أسهم في التمسك بهذه الإنسانية والتذكير بها فتحول اهتمامي التعليمي نحو الأدب الفلسطيني في سيمنارات مثل غزة تكتب وفلسطين الشاعرة وقراءات وغيرها إلى أي درجة تشعر أن العمل الإبداعي ممكن وفعال في مواجهة حرب الإبادة التي يقوم بها النظام الصهيوني في فلسطين اليوم نتفهم أن يشعر الشاعر أو الرسام بالإحباط والعجز في مواجهة إبادة للحياة بصفتها حياة وليس ذلك بجديد في التاريخ البشري ولا في نظريات الأدب والفن ولكن الإبادة لم تستطع يوما أن تنهي الإبداع بل لدينا ما يثبت أن الإبداع يتغذى من القمع فالإبداع في جوهره حرية حرية الأشكال وحرية المضامين والتحرر من العادي وإلا فما معنى أبدع إبداعا وفي قضية الحال يتناقل العالم صور المجازر وتقتيل الأطفال ولكنه يتناقل أيضا الشعر الفلسطيني ويبدع في أشكال الصمود كما نلاحظ مثلا التحولات الفنية للكوفية الفلسطينية قصيدة الشهيد العرعير دخلت بيوت العالم وشوارعه ولغاته هناك فعل توليدي أصبح بمقتضاه الإبداع الفلسطيني محركا لأساليب مبتكرة للمقاومة بدفاعكم عن كرامة الإنسان أعدتم الأمل إلى العالم بأسره لو قيض لك البدء من جديد هل ستختار المجال الإبداعي أو مجالا آخر كالعمل السياسي أو النضالي أو الإنساني مواصلة النهج النضالي المعرفي ولكن ربما تخصيص وقت وجهد أكبر لمجالات أقرب إلى الناس مثل العمل التطوعي الإنساني وقد عاد لي بعض هذا الإحساس مع الإبادة والتنكيل بأهل غزة وتصاعد استعجالية المساعدة وأهميتها على المستوى الحياتي ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم قيادات العالم متكلسة وغير خلاقة ما زالت في أغلبها تتغذى من المصادر الفكرية والأنساق نفسها وقد انضاف إلى ذلك تفش مخيف للشعبوية ومعاداة الإبداع والنخب في شمال العالم كما في جنوبه ولكن الحراك الطلابي يذكرنا ويذكرهم بأن المستقبل ليس لتلك القيادات وهو حراك قاعدته في الشمال وقضاياه في الشمال والجنوب معا هو حراك تجسير معرفي وتاريخي في نفس الوقت وهو فعل حركه الصمود الفلسطيني والضيم التاريخي الذي توراثته الأجيال تماما كما توارثت الإرادة في مقاومته الجديد في هذا الحراك وغيره أنه أفقي وغير منغلق وهو بذلك نوع من تجمع أو ترافد أنواع مما يسمى بالألم التاريخي وتراكم إرادات تحررية شخصية إبداعية مقاومة من الماضي تود لقاءها وماذا ستقول لها أستحضر نيلسون منديلا وذلك لأصداء عديدة لعل أهمها أنه يحاكم اليوم الأبارتهايد الجديد بعد وفاته كما حاكم الأبارتهايد في جنوب أفريقيا في حياته أقول له أنت زيتونة غرست في سويتو وأورفت في غزة ولها بذور في كل أصقاع العالم نثرها إخوة محمود درويش وغسان كنفاني وأجدادهم بابلو نيرودا وناظم حكمت ولوركا يكاد العربي يصبح على هامش خريطة أنصار فلسطين كلمة تقولها للناس في غزة شكرا لقد أعدتم بألمكم المكابر وبدفاعكم عن الكرامة الإنسانية الأمل إلى العالم بأسره شكرا لقد حولتم الجيش الذي لا يقهر والديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط إلى مسخرة العالم وحولتم طغاة العالم إلى فارين من شعوبهم وفارين من العدالة كلمة تقولها للإنسان العربي في كل مكان في الواقع لا أعرف ما المقصود بالإنسان العربي فالفضاء العربي يشمل الحاكم المطبع والمثقف المتذلل والمقاوم الشامخ والمبدع المقهور يشمل بلدانا جرمت نصرة فلسطين أما سلعنة العروبة كشيء يمكن تسويقه أو تعميمه بغاية دعائية أو حتى تعويمه لتغطية العورات فقد أصبحت كلها عمليات مفضوحة ولم تعد تنطلي على أحد غزة وضعت ما يعرف بالإنسان العربي موضع شك وتساؤل بل أحالت هذا الإنسان إلى هامش خريطة أنصار فلسطين ويكاد الفلسطيني اليوم أن يقول مع شاعره كل قلوب الناس جنسيتي فلتسقطوا عني جواز السفر العربي حين سئلت الطفلة الجريحة دارين البياع التي فقدت معظم أفراد عائلتها في العدوان ماذا تريدين من العالم أجابت رسالتي للناس إذا بيحبوا دارين يكتبوا لي رسالة أو أي إشي ماذا تقول لدارين ولأطفال فلسطين دارين أنت احتمال الياسمين ما زال مستقبلك مفتوحا على كل الاحتمالات أما رفاقك ورفيقاتك من الشهداء فقد خسرهم العالم ومن من رفاقك مكلوم الآن مثلك فهم شاهدون وشاهدات على قساوة العدو وجحود الصديق عيونهم مفتوحة يقظة لا تمكن مغالطتها أو استبلاهها أو استغلالها عيون تقول بكل اللغات لن يمروا بطاقة باحث وأكاديمي تونسي يدرس الأدب العربي المقارن في جامعة أوكسفورد البريطانية من مؤلفاته بالإنكليزية الجامعة والمجتمع في سياق الثورات العربية والإنسية الجديدة 2016 والترافد بين العمل النقابي والثقافة والثورة في تونس 2019 والأدب والديمقراطية والعدالة الانتقالية بالمشاركة مع فيليب روسن 2022 الغلاف له مساهمات في الإعلام الغربي والعربي حول الشأن التونسي والتبادل الثقافي