غريغوري راباسا مرافعة ضد المترجم الخائن
يشير عنوان كتاب المترجم الأميركي غريغوري راباسا (1922-2016) إذا كانت الترجمة خيانة، إلى مرافعة في محكمة. وهو بالفعل قريبٌ من عالم المحاكمات. إلا أنَّ الكتاب الصادر حديثاً بترجمة سيزار كبيبو عن دار المدى، ليسَ مرافعة مهمومة بأنْ تنزع الشبهة عن المتهم، بل هو شهادة يعرضها المُرتَكِب ليشرح جرمه ويؤكّده. والجرمُ هنا هو الترجمة بما فيها من تقنيات تعني جمهور المترجمين وقرَّاء الواقعية السحرية، المدرسة التي ساهم راباسا بتأكيد مكانتها عبر ترجماته لروائع أميركا اللاتينية.
مع ذلك، ليسَ ما نقرأه محاكمة، بل هو التئامٌ ومشاركة. وقبل ذلك، إنَّها تجربة إلهام لأحد أساطين الترجمة إلى الإنكليزية. ويوحي تقسيم الكتاب للقارئ أنَّ راباسا يعرض دليلاً جرمياً. بدءاً من الفصل الأول نشوء الخديعة، مع تقديمه الترجمة بوصفها خيانةً، ثم سرد حكاية وقوعه في جناية العمل مترجماً، ليعرض في الفصل الثاني عريضة الدعوى، وهي تجربته التفصيلية في الأعمال التي ترجمها، والتي تشمل عدداً كبيراً من كتّاب أميركا اللاتينية.
والكتاب فرصة للمترجمين كي يقرأوا حكايات راباسا مع ماريو بارغاس يوسا وغابرييل غارسيا ماركيز وجورجي أمادو، وغيرهم الكثير. أخيراً، يعنون الفصل الثالث كنوعٍ من الحكم، وهو صفحة ونصف تقول بوحدة المترجم، أي وقوفه أعزلَ في مهنته. ويطلب راباسا أخيراً من المترجمين أن يثقوا بأنفسهم، إذ لن يطلق أحدٌ عليهم النار. وطموح الترجمة هو قول الحقيقة.
ينتهي الكتاب مع هذه الخلاصة وبهذا الطموح. لكن بالعودة إلى فلسفة راباسا وكيف يفهم الترجمة، فهو يعرض فلسفته في أجزاء متفرقة. وكأنما الترجمة خفضٌ لمدى ارتباكِ العالم، وتبسيطٌ لتعقيده، ووقوف على حقيقته، أو تقتيرٌ لمجازاته. يتأتّى فهم راباسا للترجمة من فهمه للغة نفسها معتبراً إياها كائناً يتّسع باستمرار ويميد وينتشر. إذ يعرف المرء نفسه والآخرين باللغة وفي التعبير. إلى جانب تسمية الموجودات وقراءة الآخر وتجريب فهمه. الكتاب غني بهذه الفلسفة التي تصوّر المترجم صانعاً ومبتكراً. وبالمادة التي تخرج من ورشته يخلقُ جسر الإدراك.
ضرورة أن يتماهى المترجم مع الكاتب وأن ينساق في لغته
أتقن راباسا اللاتينية والإنكليزية والبرتغالية والإسبانية والإيطالية والفرنسية،
ارسال الخبر الى: