غاية الحرب ألا تخوضها
قبل أن تتعالى أخلاقياً على بلد، جنسية أو عرق، تذكّر أن الحرب هي الاختبار الإنساني الذي فشل فيه الجميع. في بداية القرن العشرين، بدا للمؤرّخ والمنظّر المترقّب أن أوروبا أنهت مهامها المعرفية، العلمية، الفلسفية، وحلّت كل أسئلتها الأخلاقية والدينية، لكن كل هذا المنجز لم يمنعها من خوض حربين عالميتين، يُقدّر عدد ضحاياهما بين 85 و105 ملايين من الموتى، وإلى أضعاف هذا الرقم من الجائعين، والمبتورين نفسياً وجسدياً.
هذا ما يقودنا إلى استخلاصه الفيلم الدنماركي فتاة السنّارة The Girl with the Needle. نحن في كوبنهاغن، عام 1919، يُعلن بشكل عابر نهاية الحرب العالمية الأولى: كارين، فتاة شابّة تعمل في مصنع، تتعرّض للاستغلال، وتُطرد بعد أن تحمل من علاقة عابرة. وحيدة، معدمة، ويائسة، تبحث عن ملجأ، هاربة من زوج شوّهت وجهه وروحه الحرب، تصادف امرأة تعرض عليها مأوى وعملاً بإرضاع الأطفال المتخلى عنهم، وتقنعها بأنها تساعد النساء الفقيرات على إيجاد عائلات تتبنّى أطفالهن. لكنها، عوضاً عن ذلك، تقتلهم خنقاً أو حرقاً في مدفأة منزلها.
القصة حقيقية، لكن المخرج Magnus von Horn يمشي بالحكاية إلى نهايتها، واصلاً فيلمه بخيط لا ينقطع مع عدة أفلام لطالما حملت الدلالات ذاتها ضد إدانة الأفراد في لحظات الخراب العامة، مشدّدة على الانهيار الأخلاقي للبلاد المتورطة في وحول الحرب. فلا ننسى الفيلم الأيقوني لكلود شابرو، أو فيلم القارئة لكيت وينسلت.
في فتاة السنّارة، يقترح المخرج معالجةً جماليةً قاسيةً ومجرّدة بالأبيض والأسود، حيث لا مجال للهروب من الفقر، ولا من القبح، ولا حتى من الحزن. تبدو كوبنهاغن مكسوّة برماد أخلاقي، تسكنها الظلال، ويغيب عنها الأمل. الحرب انتهت، لكنها تركت الناس منقوصين، بلا مناعة أخلاقية كافية، فالسقوط خيار طبيعي. الأبيض والأسود هنا ليسا مجرد خيار بصري، بل تجريد واختزال حاد للبشاعة، للقسوة، للقتل والجريمة.
نرى في فيلم القارئة (2008)، الحارسة النازية الأمية التي تجد في قراءة الأدب خلاصاً بعد الحرب. تُدان، وحدها، عن جرائم النازية التي نُفّذت ضمن منظومة كاملة من القبول والحفاوة. تتلقى العقوبة، حاملة الذنب وحدها. وفي شأن
ارسال الخبر الى: