عطاء الشهداء خلود لا يقاس بثمن
أيتها النفوس التي تقدر التضحية، نقفُ اليوم لنرسمَ بالكلماتِ جداريةً من نورٍ ودم، تكريمًا لعطاءٍ لم يعرف التاريخُ له مثيلًا في التجرد.
إننا أمام سرٍ من أسرار الإيثار الإنساني، حين يتحول البذلُ إلى مرتبةِ الاصطفاء الإلهي.
كل عطاء له ثمن وقيمة، إلا عطاء الشهداء، عطائهم يفوق الثمن والقيمة، وهذه حقيقةٌ إلهية مطلقة، ففي سوق الحياة، كُـلّ شيءٍ له مقابل، وكلُ جودٍ تحكمه قوانين المنفعة.
إلا هؤلاء، الذين تجاوزوا هذه القوانين الأرضية، وارتقوا بعطائهم إلى آفاقِ الخلود.
لقد كان ثمنُهم الأول والأخير هو “جنة عرضها السماوات والأرض”.
أي تجارةٍ أعظم من هذه؟
باعوا فناءً زائلًا، واشتروا بقاءً أبديًّا، لأنهم قدموا أثمن ما يملك الإنسان، قدموا أرواحهم في سبيل الله؛ مِن أجلِ حياة كريمة لمن سواهم.
في هذه التضحية، لا يوجدُ ظلٌ للأنانية، لا مكانٌ للذات، بل هو فيضُ محبةٍ للحياة الكريمة، مُهدىً على طبقٍ من دمٍ طاهرٍ لمن ظلوا بعدهم.
تأملوا المشهد بتجردٍ وإحساس: هم “افترشوا الجبال والصحاري والوديان ونحن في البيوت”.
فرقٌ شاسعٌ بين مهادهم الصلب ووسادتنا الوثيرة، بين هدوئنا المقرون بالسكينة، وبين ضجيجهم الممزوج بالخطر.
“صبروا على أصوات الانفجارات وأزيز الطيران”، لكنهم تحملوها لكي لا تصل إلينا، لكي نعيشَ نحن “في سكينة وأمن وأمان”.
أيُ ميثاقٍ أعظم من هذا بين حاضرهم المأزوم ومستقبلنا المأمول؟
والمأساة الإنسانية تتجلى في قمة الروعة حين ندرك أنهم “صبروا على فراق الأهل والأحبة؛ مِن أجلِ نعيش مع أهلنا وأحبائنا”.
لقد قطعوا حبالَ الوصل الدنيوية، تجرعوا مرارة الوحشة والفقد، ليضمنوا لنا نعمةَ الدفء العائلي واستمرار الروابط الاجتماعية.
هذا هو الإيثار الحقيقي؛ أن تهجر أنت لذتك، لتصبح لذه الآخرين باقية.
لتهبطَ تحيتنا غيثًا على أرواحهم الطاهرة.
“فالسلام على رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه”.
هم القُدوة في الوفاء، سيف الله المسلول الذي لم يتراجع.
“السلام على جنود الله الذين أنكروا ذواتهم”.
نعم، أنكروا ذواتهم، أي وضعوا إنسانيتهم الصغيرة في خدمة الإنسانية الكبيرة.
“ومن أجل دين الله ضحوا بشبابهم وهجروا ملذاتهم”.
لقد مرّوا بجوار الحياة دون أن
ارسال الخبر الى: