عسكر أم أحزاب دروس من تجربة الترابي

٢٢ مشاهدة
إن كان تجاهل العديد من الإسلاميين بالسودان إخفاقات تجربة الحركة الإسلامية في الحكم لمدة ثلاثة عقود نابعا من منطق الجمل ما بشوف عوجة رقبتو فما الذي يدفع القوى السياسية الأخرى لعدم الاستفادة من الدروس والعبر التي قدمتها هذه التجربة وصول الحركة الإسلامية إلى سدة الحكم عبر انقلاب عسكري 1989 يختلف عن تجربتي إبراهيم عبود 1958 وجعفر نميري 1969 حيث إن الأولى كانت بطلب وتنسيق من رئيس الوزراء عبدالله خليل وقيادات حزب الأمة مثل الصديق المهدي دون أن يكون لهم تصور أو خطة لما بعد التسليم والتسلم بينما شارك الحزب الشيوعي في ما بعد في انقلاب نميري ولم يكن جزءا من التخطيط والتنسيق له أما تجربة الحركة الإسلامية فهي تجربة شاملة بداية من التخطيط والتنسيق مرورا بتكتيكات التنفيذ انتهاء بما سيتم عمله بعد الانقلاب وكيفية إدارة جهاز الدولة إن كان هنالك درس قيم وضرورية معرفته في هذه اللحظة الحرجة من تاريخنا فهو كامن في ما يمكن أن نستشفه من تجربة الإنقاذ أي فشل المراهنة والاستقواء بالجيوش لتحقيق وإنفاذ مشروع سياسي بحذافيره لصالح القوى المخططة للانقلاب لا يمكن النظر لمشروع الحركة الإسلامية في السودان دون أن تكون شخصية الدكتور حسن الترابي شخصية مركزية فيه فالرجل قاد الحركة منذ أن كانت مجموعة نخبوية مثقفة إلى أن اشتد عودها في الثمانينيات وامتدت لكل أجزاء السودان وعلى مختلف الفئات الاجتماعية كان الترابي حصيفا وواعيا بحجم حركته وقدراتها فلم يتصارع مع القوى التقليدية في الحزبية الثانية 1965 1969 بل آثر أن يقضي على الحزب الشيوعي الذي كان في مرحلة تطور وانتشار وسط المتعلمين والمثقفين ومختلف الفئات الأخرى وهي منطقة تنافس وتسعى جبهة الميثاق الإسلامي على اجتذاب مكوناتها نجح الترابي بالتحالف مع القوى التقليدية الأخرى بإقصاء الشيوعيين عن الحياة السياسية وتقييد نشاطهم في إحدى أكبر المذابح التي ارتكبت بحق مبادئ الديمقراطية عندما حل الحزب الشيوعي في نوفمبر تشرين الثاني 1965 وطرد نوابه من البرلمان لا يمكن النظر لمشروع الحركة الإسلامية بالسودان دون أن تكون شخصية الدكتور حسن الترابي شخصية مركزية فيه واصل الترابي الاستفادة من الظروف السياسية فوقع على المصالحة الوطنية عام 1979 مع نظام نميري 1969 1985 وعمل تحت مظلة الاتحاد الاشتراكي التابع للنظام في ذات الوقت كان التوجيه لعناصر الحركة بالتمدد والتوسع في النشاط الاقتصادي والإعلامي نظرا لما قد يقدمانه للحركة وبرنامجها السياسي في المستقبل بالفعل استفادت الحركة من المصالحة الوطنية ونجحت في خلق قاعدة شعبية لها مكنتها من الحصول على أكثر من 50 مقعدا في الهيئة التشريعية 1986 1989 التي أعقبت انتفاضة مارس إبريل 1985 للمفارقة خسر حسن الترابي الدائرة التي ترشح بها بعد أن تكتلت القوى السياسية كلها ضده واتفقت على مرشح آخر هو حسن شبو ويفسر البعض أن تلك الخطوة هي التي دفعت الترابي للتخطيط للانقلاب رغم أن آخرين يرون أنه كان يضع الانقلاب هدفا أمامه منذ العام 1977 لكن وأيضا لا يمكن النظر لانقلاب الجبهة الإسلامية بمعزل عن تنامي نفوذ البعثيين داخل القوات المسلحة والذين كانت لديهم مخططات للاستيلاء على السلطة منذ مطلع الثمانينيات كما أن التسوية السياسية مع قائد التمرد الدكتور جون قرنق عبر اتفاق الميرغني قرنق كان من شأنه أن ينهي المشروعية السياسية لوجود تنظيم مثل الحركة الإسلامية في الساحة تماما وضع الترابي الخطوط العريضة لهذا الانقلاب والموجهات العامة للتمويه وكيف سيتعامل المجلس العسكري مع المجتمع الإقليمي والدولي وعند وقوع الانقلاب في 30 يونيو حزيران 1989 ذهب بنفسه إلى السجن حبيسا كتمويه بأن الحركة الإسلامية ليست جزءا من الانقلاب وأتى بضابط كان في الإيقاف بعد مشاركته في محاولة انقلابية قام بها سدنة نظام نميري قبل أسابيع من انقلاب الجبهة الإسلامية وكانت تلك الشخصية هي الفريق الزبير محمد صالح نجح الترابي بالتحالف مع القوى التقليدية الأخرى بإقصاء الشيوعيين عن الحياة السياسية وتقييد نشاطهم في إحدى أكبر المذابح التي ارتكبت بحق مبادئ الديمقراطية كانت خطوات الترابي كفيلة بخداع النظام المصري الذي كان وما زال باستثناء فترة الانقلاب يعلم ما يدور في السودان بالتفصيل بلغ التضليل مبلغا دفع السفير المصري بالخرطوم تقي الدين الشربيني لتسويق النظام الجديد في السودان أمام دول الخليج والمنطقة ولا يمكن إغفال دور الترابي في مساندة مقاتلي جبهة التقراي في الحبشة لإبعاد نظام منقستو الشيوعي الداعم لتمرد قرنق عبر توفير القواعد والسلاح لكن هذا أمرا لا ينبغي النظر إليه بمعزل عن الظروف الداخلية التي جعلت دور السودان مكملا أراد الترابي أن يحافظ على مشروعية وجود تنظيمه في الحياة السياسية ونجح عبر سياسة التمكين وإدخال المعارضين للسجون وبيوت الأشباح ولما استتب الأمر خصوصا بعد فشل انقلاب حركة الخلاص الوطني وحركة الضباط الأحرار وبعد فشل التجمع الديمقراطي وعملية أنا السودان في انتزاع السلطة بالانقلاب لم ير الترابي مانعا بعدها من عودة الحياة السياسية وأنشطة الأحزاب بل بات من الضروري حسب رأيه أن تكون هنالك عملية انتخابية وحياة سياسية بها تعدد حزبي هنا تدخل العسكريون الذين أتى بهم الترابي إلى السلطة لتنفيذ مشروعه وقالوا له حسبك نحن لم ننفذ الانقلاب ليأتي آخرون للسلطة و انتهى الأمر بالترابي أن أصبح معارضا بعد أن أبعده تلاميذه ومن أتى بهم فيما عرف بالمفاصلة التي وقعت أحداثها في ديسمبر كانون الأول 1999 تحول الترابي بين عشية وضحاها من مفكر وعراب لنظام ومشروع ظل يخطط لهما على مدار عقود إلى مصدر خطر ومهدد وتحول إلى سجين سياسي حقيقي لا كما كان متفقا عليه بداية الانقلاب كان هذا ثمن الاستعانة بالعسكر وهو ما أبدى الترابي ندمه عليه عندما سئل في برنامج تلفزيوني لماذا لم تفكر في استعادة السلطة عبر انقلاب عسكري فرد ردا مفاده هل أستعين بالعسكر مرة أخرى بعد كل الذي جرى لي الإسهاب في تجربة الترابي ليس حبا له أو ولها به لكنها تجربة لرجل سياسة شئنا أم أبينا كان لديه مشروع سياسي يخطط له ويحسب كل صغيرة وكبيرة فيه ويستصحب معه الأبعاد الداخلية والخارجية لتحركاته وتبعاتها وكل هذا لم يشفع للترابي أمام بنيه فوجد نفسه خارج اللعبة التي وضع شروطها وهندسها والقوى السياسية بشكلها الحالي تفتقر لرؤية مشتركة ناهيك أن يكون لديها مشروع سياسي خاص بها ومع ذلك ترى أن الدعم السريع باعتباره يحارب الإسلاميين يمثل خيارا مقبولا لديها بل وتظن أن الدعم السريع وبعد أن يقضي على الإسلاميين في الجيش كما تروج دعايتهم الحربية سيلتزم بتسليم السلطة للمدنين ويخرج من الحياة السياسية ويسلم شركاته وممتلكاته للسلطة المدنية ويخضع لإمرتها يا للطيبة

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح