40 عاما في شارع واحد خاتمة قاهرة من الخيبات

٣٩ مشاهدة
في أيام كهذه قبل 40 عاما أبدأ رحلتي مع شارع الحمرا البيروتي يحدث هذا في بدايات عام 1983 اللحظة مهمة فـوهم انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية غالب والطرقات بين البيروتين مفتوحة والرغبة في استعادة حياة طبيعية حاصلة قبل مقتلة بوسطة عين الرمانة 13 إبريل نيسان 1975 طاغية والهوس بالـنسيان مستفحل والتوق إلى خلاص أيا يكن شكله ومضمونه أقوى من أن يحرض المرء على وقوف ولو مؤقت أمام مرآة ذاته وروحه 40 عاما هذه حياة شارع الحمرا هاجس قبل التعرف إليه شوق ملتبس إلى شيء غير معروف سابقا إلا عبر كلام عنه حسن يقال بشغف أهل وأقارب له شارع يمتد من بقعة جغرافية صغيرة إلى ما يفترض به أن يكون وطنا أو أن يكون شبيها بـقلب المدينة كبديل عن ساحة البرج الشهداء وسط البلد يتحول شيئا فشيئا إلى صليب يقتل أناسا ويعكس مرارة عيش ويقدم أفضل صورة سلبية عن وطن معطوب وبلد منهار وأمة أيكون كان لبنان ذات يوم أمة فعلا مشوهة شارع يمتلك 12 صالة سينمائية بعضها القليل في شوارع متفرعة منه لكن هذا البعض قريب جدا إليه يفقدها ببطء من يحتضر طويلا من دون أن يموت شارع يمتلك مقاهي ومكتبات وأمكنة سهر وإن تكن قليلة وحياة تتكامل ليلا ونهارا وتعيش حربا ومعارك وتواجه محتلا وتطرده وتقول إن هناك حيزا لتناحر بين إخوة سلاح ومكانا ليوميات أفراد غير منتمين إلى جهة طائفة مذهب واحد وهذا كله يتبخر في أعوام لاحقة وأزمة الاقتصاد المجتمع المستفحلة عشية انتفاضة 17 أكتوبر 2019 بقليل تقضي عليه نهائيا محولة إياه إلى وباء أخطر وأبشع وأقسى من كورونا ومن أوبئة الحياة والتاريخ كلها مثير شارع الحمرا لكتابات غير منتهية رغم خراب يكاد يكون أنقاضا مثير لحنين إلى صالات وحياة وعيش رغم الفراغ الضاج بقهر وغضب وخيبة وانكسار وموت مثير لاستعادة مليئة بدمع مجفف وابتسامات مقتولة وذاكرة ملوثة بغباء البقاء فيه طويلا مثير لحلم بخلاص دائم من حروب ومعارك قبل أن يقضى على حلم كهذا ليتاح للكوابيس أن تحتل أمكنة وفضاءات وأرواحا يصدق أصحابها أنهم أنهن أحياء مثير لتذكر أنه بلاتوه لأفلام وحكايات قبل أن يعشش فيه النبات البري الذي يحجب صورته القديمة فالصورة الآنية معتمة لشدة خوائه وانعدام نبضه 40 عاما هذه حياة تتدحرج إلى أسفل هاوية بعد سرقة كل فرح وحب وتسكع وعمل وسهر واختبارات أعوام حرب يقال إن نهايتها الناقصة والمزورة حاصلة في 13 أكتوبر تشرين الأول 1990 تمنح الأعوام فسحة لمعاينة بيئة والتعرف إلى ثقافة ومهنة وإلى ناس البيئة والثقافة والمهنة في مكاتب ومقاه وأمكنة سهر والغلبة للمقاهي وأمكنة السهر فهذه نبض الشارع قبل أن يصمتا النبض والشارع معا نهائيا تقول حكاية إن صالات السينما في شارع الحمرا البيروتي تنشأ في منتصف خمسينيات القرن الـ20 صالة تلو أخرى وشركة توزيع تلو أخرى ونزاعات مديدة بوسائل مختلفة لجذب مشاهدين ومشاهدات صالات تتنوع اهتماماتها الفنية والدرامية والجمالية وبعضها مفتون بسينما نضالية وأبو عمار يحضر ويحمي بعض صانعيها من انغلاق عقلي وانفعالي إزاء الآخر وبعض الصالات مسرح أيضا بيكاديلي وأكشاك صحف ومجلات منتشرة هنا وهناك وبينها مجلات سينمائية تأتي ولو متأخرة قليلا من مدن أحلام السينما وصناعتها في أوروبا وأميركا 40 عاما تنتهي بخسارة مدوية في ذات تواقة حينها إلى حياة المقاهي والتسكع والسهر لاكتساب معنى أجمل للعيش يترافق واكتساب وعي ومعرفة وثقافة ومهنة صالات تفتح أبوابها رغم حرب في محيطها ومعارك تندلع بين رفاق السلاح وتبقى غير مكترثة بهم وبحروبهم ومعاركهم صالات تعرض أفلاما لبعضها شغف الإبداع والبوح ولبعضها الآخر حرفة الصناعة التجارة شارع يتيح تواصلا مع موزعي تلك الأفلام المقيمين فيه لمعرفة شيء من أصول مهنة التوزيع وإدارة الصالات وفهم نبض المشاهد المشاهدة ورغباتهما السينمائية أناس يرافقوني في تلك المرحلة وقلة منهم منهن معنية بالسينما ما يفتح أمامي أبواب مهنتين فهم التوزيع و اشتغال في النقد السينمائيين 40 عاما أي عمر هذا أي حياة وأي سينما وأي نهاية لا صالة واحدة تفتح أبوابها في زمن سلم عفن ولا مقهى يغري بارتياده ولا ضوء يشع من فضائه ولا مهنة تمارس فيه ولا سهر يفيد ويمتع إلا نادرا وللحظات تمر سريعا وبقسوة أي فيلم يمكنه تحويل هذا إلى حياة أفضل ربما أي مخرج مخرجة يغامر في معاينة موت كهذا أي صالة تروي شيئا من سيرة مقتولة وذاكرة مقهورة ويوميات مأسورة بانتظار لحظة المغادرة التي لا عودة بعدها كل حياة تصلح لصنع فيلم كل موت أيضا كل احتضار وإن يبقى الاحتضار طويلا وهذا أقسى من موت وحياة لكن من سيصنع هذا الفيلم من سيحمل تلك الكاميرا ليروي حكاية شارع أمضي فيه 40 عاما تضيع هباء ومن دون جدوى وأبقى عالقا فيه إذ لا يوجد ما هو مؤلم أكثر من أن تكون سجين علاقة أو سجين مكان لا يمكنك أن تعيش خارجهما يسري نصرالله محاورات أحمد شوقي مطبوعات مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية 2017

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح