40 عاما في شارع واحد خاتمة قاهرة من الخيبات

186 مشاهدة

في أيامٍ كهذه، قبل 40 عاماً، أبدأ رحلتي مع شارع الحمرا البيروتي. يحدث هذا في بدايات عام 1983. اللحظة مهمّة، فـوهم انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية غالبٌ، والطرقات بين البيروتين مفتوحة، والرغبة في استعادة حياةٍ طبيعية، حاصلة قبل مقتلة بوسطة عين الرمانة (13 إبريل/ نيسان 1975)، طاغية، والهوس بالـنسيان مستفحل، والتوق إلى خلاصٍ، أيّاً يكن شكله ومضمونه، أقوى من أنْ يحرِّض المرء على وقوفٍ، ولو مؤقّت، أمام مرآة ذاته وروحه.

40 عاماً. هذه حياة. شارع الحمرا هاجسٌ قبل التعرّف إليه. شوقٌ (ملتبس) إلى شيءٍ غير معروف سابقاً، إلّا عبر كلامٍ عنه، حسنٌ، يُقال بشغف أهلٍ وأقارب له. شارع يمتدّ من بقعة جغرافية صغيرة إلى ما يُفترض به أنْ يكون وطناً، أو أنْ يكون شبيهاً بـقلب المدينة، كبديلٍ عن ساحة البرج/ الشهداء/ وسط البلد، يتحوّل، شيئاً فشيئاً، إلى صليبٍ يقتل أناساً، ويعكس مرارة عيشٍ، ويُقدّم أفضل صورة سلبيّة عن وطن معطوب، وبلدٍ منهار، وأمّة (أيكون/ كان لبنان، ذات يوم، أمّة، فعلاً؟) مشوّهة.

شارع يمتلك 12 صالة سينمائية (بعضها القليل في شوارع متفرّعة منه، لكنّ هذا البعض قريبٌ جداً إليه)، يفقدها ببطء من يحتضر طويلاً من دون أنْ يموت. شارع يمتلك مقاهي ومكتبات وأمكنة سهر، وإنْ تكن قليلة، وحياة تتكامل ليلاً ونهاراً، وتعيش حرباً ومعارك، وتواجه محتلاً وتطرده، وتقول إنّ هناك حيّزاً لتناحر بين إخوة سلاح، ومكاناً ليوميات أفرادٍ غير منتمين إلى جهةٍ/ طائفة/ مذهبٍ واحد، وهذا كلّه يتبخّر في أعوام لاحقة، وأزمة الاقتصاد/ المجتمع، المستفحلة عشية انتفاضة 17 أكتوبر (2019) بقليل، تقضي عليه نهائياً، محوّلةً إياه إلى وباء أخطر وأبشع وأقسى من كورونا، ومن أوبئة الحياة والتاريخ كلّها.

مُثيرٌ شارع الحمرا لكتابات غير منتهية، رغم خرابٍ يكاد يكون أنقاضاً. مُثيرٌ لحنينٍ إلى صالات وحياة وعيش، رغم الفراغ الضاجّ بقهرٍ وغضب وخيبة وانكسار وموت. مُثيرٌ لاستعادة مليئة بدمع مجفّف، وابتسامات مقتولة، وذاكرة ملوّثة بغباء البقاء فيه طويلاً. مُثيرٌ لحلمٍ بخلاصٍ دائم من حروب ومعارك، قبل أنْ يُقضَى على حلمٍ كهذا، ليُتاح للكوابيس أنْ

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح