علي عبدالله صالح لن يكون الأخير يا صنعاء

بعد مقتل الرئيس علي عبدالله صالح، أُتيحت لي فرصة الاستماع إلى مراسلات صوتية في ساعاته الأخيرة، وإلى وثائق سمعيّة أخرى، بينها تسجيل صوتي يطلب فيه ممن كانوا حوله أن يغادروا ويتركوه وحيداً ليواجه الحوثيين، تلك التسجيلات، التي لم تُعرض للإعلام حتى اليوم، ليست مجرّد وثائق عابرة، بل جزء من الذاكرة اليمنية بشقّيها الجنوبي والشمالي، ففي هذا الجزء من العالم، لا تُدفن الحكاية بموت صاحبها، بل تظل تُروى كما كان يفعل الأجداد في سبأ والأحقاف وحِميَر، نحن شعبٌ لا يزال يعيش على المرويات، ويمنحها وظيفة الذاكرة حين تعجز الدولة عن كتابة التاريخ.
حتى وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ظلّ علي عبدالله صالح يتحرك داخل المساحة الرمادية من الذاكرة اليمنية: لا يُحبّ تماماً ولا يُلعن بالكامل، رجلٌ قضى نصف عمره رئيساً، ونصفه الآخر عدوًا أو حليفًا أو جثةً تقتتل عليها السرديات، ولأن اليمن بلدٌ لا يكتب تاريخه بالورق بل بالدم، فإن توثيق مقتله سيظل موضع جدل، تماماً كما ظلّ تاريخ حكمه، ومثل كل الرؤساء الذين مرّوا من هنا.. ولم يخرجوا أحياء.
قالوا إن ابنه “مدين” روى اللحظة، وإن الفيديو يوثّق، وإن الحوثيين حسموا القصة، لكن الحقيقة في اليمن لا تعترف بالفيديو، ولا تتكئ على شهادة ابن، ولا تخضع لمنطق الوقائع، بل تظل أسيرة الشك، والتنازع، والتأويل السياسي المستمر، لأن الموت هنا، لا يغلق القوس بل يفتحه على مصراعيه، ويترك لكل طرف أن يروي الرواية بما يخدم بقاءه، ويُفسر الدم بالولاء أو بالخيانة، لا بالحق والعدالة.
ما جرى لصالح ليس حدثاً فريداً، بل مشهد متكرر في السياق اليمني العام، منذ إسقاط بيت حميد الدين في الانقلاب داخل البيت الزيدي 1962، لم ينجُ رئيس يمني من الخاتمة الدموية، الحمدي اغتيل وهو في ذروة الشعبية، والغايات بقيت مجهولة، الغشمي نُسف في مكتبه، عبدالفتاح إسماعيل احترق مع حزبه، والبيضة لم تُبقِ له ظلًا، حتى قحطان الشعبي انتهى منفياً، وجارالله عمر سقط برصاصة في عرس ديمقراطي بالطريقة اليمنية القبلية وأيضاً الإخوانية. لم تترك السياسة في اليمن هامشاً للموت
ارسال الخبر الى: