في ظلام سجن تحت الأرض حيث يتنفس الأسرى العتمة
45 مشاهدة
في مكان لا تشرق فيه الشمس ولا يسمع فيه سوى صوت الأبواب الحديدية وهي تغلق بإحكام يعيش عشرات الفلسطينيين من غزة تحت الأرض حرفيا في سجن يدعى راكيفت أعيد فتحه بعد عقود من الإغلاق ليعود كـ موقع أشباح يختزل وجع الجغرافيا والإنسان معا يصفه أحد المحامين الذين تمكنوا من دخوله بأنه حفرة تدفن فيها الأرواح قبل الأجساد جدران بلا نوافذ وضوء كهربائي خافت لا ينطفئ وأنفاس تختنق في صمت طويل كأن الزمن توقف عند باب معدني صدئ العودة إلى الثمانينات بأوامر وزير متطرف يعيد هذا السجن إلى الأذهان فصولا من الثمانينات حين فتح للمرة الأولى لاحتجاز معتقلين سياسيين فلسطينيين في عزلة تامة آنذاك وصفته منظمات حقوق الإنسان بأنه ثقب أسود في صحراء النقب وأغلق عام 1985 بعد فضيحة دولية لكنه عاد إلى الخدمة بعد هجمات السابع من أكتوبر 2023 بأوامر مباشرة من وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في إسرائيل الحديثة رأى بن غفير في إعادة تشغيل السجن خطوة أمنية بينما وصفتها اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل بأنها جريمة منظمة تمارس باسم الدولة كل شيء في راكيفت يبدو مصمما لكسر فكرة الضوء فالزنازين بلا نوافذ والقاعات ضيقة والهواء ثقيل والوجوه شاحبة كأنها لم تعرف النهار منذ زمن يقول أحد الأسرى الذين أفرج عنهم أخيرا إنهم لا يعرفون إن كان الوقت صباحا أم مساء وإن وجوههم تغيرت بفعل الرطوبة والعزلة يحرم السجناء من زيارة عائلاتهم ولا يسمح لمحاميهم بالتحدث معهم إلا دقائق معدودة ومع ذلك تصل أخبارهم إلى الخارج بطرق خفية تنقلها تقارير المحامين والمنظمات الحقوقية كرسائل تهرب من العتمة وبحسب تحقيق استقصائي لصحيفة الغارديان البريطانية يتعرض المعتقلون للضرب بشكل منتظم ويجبرون على الجلوس في أوضاع مؤلمة لساعات طويلة يقول المدير التنفيذي للجنة مناهضة التعذيب في إسرائيل تال شتاينر ما يحدث في راكيفت ليس مجرد إهمال أو قسوة فردية بل نظام متكامل من الإذلال المقنن وتتحدث التقارير عن تجاوز شريحة الأسرى للمقاتلين لتشمل أيضا مدنيين اعتقلوا لمجرد وجودهم في مناطق القتال من بينهم ممرض يبلغ 34 عاما اعتقل أثناء عمله في مستشفى بغزة وآخر شاب لم يتجاوز 18 عاما ويعمل بائعا للطعام على الطرقات كلاهما محتجز اليوم في العمق الصخري للجنوب الإسرائيلي دون تهمة أو محاكمة الذاكرة كجريمة داخل تلك الجدران لا يوجد سوى الصمت حتى الأصوات البشرية تصبح همسا يقول أحد المحامين إن أكثر ما يخيف الأسرى ليس العذاب الجسدي بل فقدان الإحساس بالزمن والذاكرة حين تحرم من رؤية الضوء لأسابيع يبدأ عقلك بالتلاشي تصبح فكرة النهار نفسها ذكرى غامضة وتصف منظمات حقوقية هذه الخطوة بأنها إعادة لتقنين التعذيب تحت شعار الأمن فبينما تعلن الحكومة الإسرائيلية انتهاء الحرب رسميا لا يزال أكثر من ألف فلسطيني محتجزين في ظروف مجهولة بلا لوائح اتهام في انتهاك صريح للقانون الدولي الإنساني وتقول المحامية جنان عبده من اللجنة الإسرائيلية لمناهضة التعذيب إسرائيل لا تريد السجون فوق الأرض لأنها تريد محو الشهود تحتها ويمكن القول إن راكيفت لا يبدو مجرد سجن إنه تجسيد رمزي لمأزق أوسع حيث تدفن العدالة في باطن الأرض ويختزل الفلسطيني بين صخرة وجدار ففي الخارج العالم يواصل ضجيجه لكن في عمق الصحراء هناك بشر ينتظرون ضوءا لا يأتي
ارسال الخبر الى: