ظاهرة الميليشيات في غزة قراءة تحليلية
ما يبدو من الخارج مجرد فوضى عابرة، هو في الحقيقة هندسة متعمّدة تستثمر ضعف البنية المدنية والحكومية الفلسطينية لإنتاج نماذج بديلة يمكن التحكم بها.
ظاهرة الميليشيات المتعاونة مع “الجيش” الإسرائيلي في قطاع غزة ليست مجرد حدث عابر، بل نتاج مشهد شديد التعقيد تشكّل في ظل حرب الإبادة: فوضى أمنية، انهيار مؤسساتي، ومجموعات محلية تحاول ملء الفراغ في مناطق معزولة تحت الرقابة الإسرائيلية.
ما يبدو من الخارج مجرد فوضى عابرة، هو في الحقيقة هندسة متعمّدة تستثمر ضعف البنية المدنية والحكومية الفلسطينية لإنتاج نماذج بديلة يمكن التحكم بها.
مع تراجع المنظومة الأمنية المدنية في المناطق الشرقية لرفح، خصوصًا قرب معبر كرم أبو سالم، ظهرت مجموعات مسلحة ذات طبيعة جنائية تعتاش على سرقة المساعدات الإنسانية، وتخلق اقتصادًا مظلمًا، وتوظف عناصر هامشية ضمن منظومة فوضى متزايدة.
ومع مرور الوقت، تحوّلت هذه الظاهرة الإجرامية إلى أدوات يمكن استخدامها من قبل “إسرائيل” في سياق سياسي–أمني أوسع. وعندما اجتاح “الجيش” الإسرائيلي مدينة رفح وشرّد سكانها، أصبح هذا الواقع فرصة لتجريب نموذج محلي جديد، عنوانه: “بديل عن حماس” أو “غزة الجديدة”.
الرهان الإسرائيلي على هذه المجموعات يقوم على ثلاث وظائف رئيسية:
1. تقليل الخسائر البشرية: الاعتماد على قوى محلية بديلة في بيئة قتالية معقدة تضم أنفاقًا وبيوتًا مفخخة وكمائن مموّهة.
2. تسويق نموذج حكم محلي: محاولة خلق واجهة سياسية بديلة يمكن استثمارها لتغطية غياب خطة لليوم التالي، وكسب الوقت لمواصلة الحرب، رغم أن مصير هذه الميليشيات غالبًا الفشل.
3. إدارة السكان: عبر إنشاء مناطق محكومة عسكريًا بالميليشيات، وبالتوازي مع كيانات إنسانية محتكرة (مثل مؤسسة غزة الإنسانية) تعمل تحت حماية “الجيش” الإسرائيلي، تجمع الأمن والإغاثة في يد جهة واحدة. الهدف هو نقل السكان إلى منطقة رفح بعد الفحص الأمني، تمهيدًا لمشاريع حشد ديمغرافي قد تفتح الباب لترتيبات تهجير قسري أو طوعي في المنطقة الحدودية مع مصر.
لكن كل هذا البناء انهار أمام حقيقة أساسية: لا يمكن لأي قوة تفتقر إلى شرعية المجتمع أن تتحوّل إلى لاعب سياسي مستدام.
الرفض
ارسال الخبر الى: