صنعاء وانقسام الخصوم
بين أمواج الخليج الهائجة ورمال الربع الخالي الحارقة، تُنسَج في اليمن معادلة استراتيجية بالغة التعقيد، تبرز فيها صنعاء كلاعب رئيسي يفهم قواعد اللعبة الجيوسياسية ويُحسن قراءة خريطة تناقضات أعدائه.
فالصراع الخافت والعميق بين السعوديّة والإمارات على النفوذ في جنوب اليمن، وخَاصَّة على ثروات ومواقع عدن وحضرموت والمهرة الاستراتيجية، ليس مُجَـرّد خلاف ثانوي بين حلفاء، بل هو تشقُّق استراتيجي في جدار التحالف الذي واجهت به صنعاء سابقًا.
إن هذه الشقوقَ التي تتسع ببطء تُشكل اليوم أحد أهم أراضي التمكين لاستراتيجية صنعاء طويلة الأمد، والتي تعتمد على الصبر، وقراءة التفاصيل الدقيقة، وتعزيز التماسك الداخلي في مواجهة خصم مشتت.
صنعاء تدرك أن هذا الصراع “مضبوط” من الطرفين، حَيثُ لا تستطيع الرياض التخلي عن حليفتها الإمارات بشكل كامل ولا تقبل بسيطرتها المطلقة على مفاصل جنوب اليمن الحيوية، ولا ترغب أبوظبي في مغامرة قد تكلفها تراجُعًا في مكاسبها، يجعل من صنعاء المراقب الحصيف والقادر على استشراف تحَرُّكات الطرفين واستغلال لحظات التردّد والضعف فيهما.
تتجلى ذروة هذا التنافس في البُعدَين الجغرافي والاقتصادي المتشابكين.
فالإمارات -برؤيتها التجارية التوسعية- تركِّز على السيطرة على الممرات والموانئ البحرية الحيوية التي تشكل شرايين التجارة العالمية والنفوذ الإقليمي.
فالسيطرة على ميناء عدن والمخاء وبلحاف وميناء الصليف لا تمثل حضورًا لوجستيًّا فقط، بل هي أدَاة للتحكم في تدفق المساعدات والبضائع، وبالتالي ممارسة شكل من أشكال الوصاية الاقتصادية على المناطق الجنوبية.
وفي المقابل، تنظر السعوديّة إلى عمقها الجنوبي بنظرة أمنية واقتصادية وجودية.
فحضرموت ليست مُجَـرّد محافظة يمنية، بل هي امتداد جيوسياسي للربع الخالي ومخرج المملكة الحيوي نحو بحر العرب، وحجر الزاوية في أحلام خطوط أنابيب النفط البديلة عن مضيق هرمز المعرَّض للتهديد.
لذلك، فإن المشروع السعوديّ في حضرموت هو مشروع “مستقبلي” يتعلق بأمن الطاقة والعمق الاستراتيجي لمملكة بني سلمان.
وهذا التبايُنُ في الرؤية يخلق تناقضًا عمليًّا على الأرض؛ فالإمارات تدعمُ ما يسمى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي يطمح للسيطرة على كُـلّ الجنوب بما فيه حضرموت، بينما تعمل السعوديّة على إضعاف سيطرة الانتقالي هناك عبر دعم
ارسال الخبر الى: