صنعاء قصة مدنية لا مدينة فقط

كأول قطعة من الأرض تظهر بعد الطوفان ، أسميت في كتب التاريخ والأساطير مدينة (أزال) أو أرض (سام إبن نوح) أي أنها كانت أول ما عُرِف لاحقاً بصنعاء، العاصمة التاريخية لليمن الطبيعي.
صنعاء، مدينةُ كل الناس والأجناس.
الثقافات والعقائد..
مدينةُ الجميع .. عرباً وفرساً وأتراكاً وأكراداً وأحباشاً وهنوداً وأوربيين وغيرهم .
كانت جامعةٌ لكل الجوامع
الله فيها ربٌّ للعالمين أجمع ، يهوداً ومسيحيين ومسلمين وخلافهم
ووحده يَعبدُه الكلُّ في كلِّ معبدٍ وكنيسةٍ ومسجد!
فيها قبورٌ ومقابر لمن اقتتلوا على حبها، يمنيونٌ، مصريونٌ وعثمانيونٌ ، فرساً، وآخرون غيرهم.
حكاية صنعاء ليست دُوراً وطيرمانات و(ساعات سليمانية) بعد تخزينة قات، لكنها كتاب أخلاقٍ عميقٍٍ درَسْته بفهمٍ وإيمان وعاشت عليه أممُ وشعوب، وتوالت به وعليه ثقافات توارثها جيلٌ بعد آخر .
منذ أن كنت صغيراً استمعت إلى مقولات عدة من قبيل مواعظ أبي وأمي من لم ينجح بالعلم والتعليم والعمل في صنعاء فلن تكون لديه وظيفة في غيرها أو من إكتسب بيتاً في صنعاء، إمتلك اليمن كله أي أن صنعاء كانت ميدان سجالٍ بين عقولٍ وأفكار وعمل .. هكذا باختصار.
وعندما كبُرت عرفت مقولة الإمام الشافعي لابد من صنعاء وإن طال السفر ولاحقاًً أدركت لماذا خصَّها المقالح العظيم بأهم وأول دواوينه لا بد من صنعاء.
صنعاء يا أنشودةً عبَقت
وأجاد في إنشادها الأزلُ
إن أبعدتني عنك عاصفةٌ
وتفـرقـت ما بيننا السبُلُ
فأنا على حبي وفي خجلٍ
روحي إلى عينيك تبتهلُ
فمتى تظللني مآذنها
ويضيئُ في أحضانها الجبلُ
أأموتُ يا صنعاءُ مغتربـاً
لا الدمع يدنيني ولا القُبـلُ
فهمنا هذا البعد لصنعاء في وجداننا، ولكن ماذا نفعل إزاء مدينةٍ مختطفة، مدينةٌ لم تتغير صورتها عما رآه الرائي الكبير عبدالله البردوني:
ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتي ؟
مليحةٌ عاشقاها السلّ والجربُ
ماتت بصندوق (وضّاحٍٍ) بلا ثمنٍ
ولم يمت في حشاها العشقُ والطربُ
كانت تراقب صبح البعث، فانبعثت
في الحلمِ، ثم ارتمت تغفو وترتقب
لكنها رغم بخل الغيث ما برحت
حبلى وفي بطئها (قحطان) أو (كرب)
وفي
ارسال الخبر الى: