صنعاء تختنق ولا أحد يمد لها الهواء

يمنات
سنان بيرق
كأنك إذا مشيت في شوارع صنعاء لا تمشي على الأرض، بل على صدورٍ ضاقت حتى لم تعد تتسع لآهاتها. المدينة العتيقة، التي كانت يومًا تمشي بعزة وتتنفس كبرياء، باتت اليوم ترتجف من جوعٍ تسلل حتى وجدان المساجد، وزحف إلى موائد العزاء، وتسلل خلسة إلى أحلام الأطفال.
تصلي، فلا تدري أفرغت قلبك لله، أم سرقك بكاءٌ لا يُسمع إلا من تلك العيون التي تلاحقك بعد التسليم، تطاردك كأنها تقول: هل بقي فيك من الرحمة شيء؟
تخرج من المسجد، فتجد الجموع… لا جموع عابري سبيل، بل جموع استعطاف، جموع ألم متراكم، نساءٌ يرفعن أيديهن لا للدعاء، بل للاستجداء، شيوخ انحنوا لا خشية، بل انحناءً للعيش المهين، وأطفالٌ بعمر الحبر على الورق، صاروا يمتهنون المذلة قبل أن يتعلموا حروف الكرامة.
صنعاء لم تعد تصنع شيئًا سوى الوجع.
حتى الفرح، صار مناسبة حزينة. الأعراس تختنق من الحرج، والعزاءات صارت أشبه بأسواق بكاء… لا أحد يعزّي أحدًا، الكل يواسون أنفسهم على وطنٍ تُرك يتعفن في صمته.
في الطرقات، لا علامات مرورية تنظم السير، بل علامات استغاثة في عيون متعبة.
في الأسواق، لا صخب بيع وشراء، بل صمت المتسولين الذين أُغرقوا في وجوه الناس كأنهم كُتبوا علينا كقدر لا مفر منه.
في المطاعم، لا طعم للطعام، كيف له أن يُؤكل، والباب موصدٌ على من لا يجد لقمة، يقف خلف الزجاج ينظر، لا بحسد، بل بانكسارٍ تدمع له الأرواح.
لقد صار الفقر في صنعاء لا يُوصف بكلمة، بل يُقاس بعدد القلوب التي تموت جوعًا دون أن تصرخ، يُقاس بعدد الأمهات اللاتي يُقنعن أطفالهن أن الماء عشاء، ويُقاس بعدد الرجال الذين صمتوا لأن الكلمة صارت تهمة، والشكوى صارت خيانة.
ومن العجب… أن في زمنٍ تتضور فيه صنعاء جوعًا، لم يسمع أحد أن مسؤولًا نحف وجهه، أو أن قصرًا قلّت فيه الإضاءة، أو أن موكبًا مرّ من غير حراسة، أو أن متخمًا تنازل عن وجبةٍ ليُشبع بها مريضًا يسكن أحد الأرصفة.
ليت الحيطان تتكلم، لقالت: مات
ارسال الخبر الى: