صدى الألم في الكتابة من ثربانتيس إلى أورويل

35 مشاهدة

قد نختلف على جودة رواية من أخرى، أو على أحقية عملٍ ما بأن يتربّع على عرش الأدب، لكننا نتفق على أن وراء كل كتاب خالد كاتباً عاش معركته الخاصة مع ذاته، أو المرض، أو الفقر، أو العزلة. فما الذي يدفع إنساناً لأن يواصل الكتابة وهو يرى جسده ينهار وواقعه يضيق؟ ما الذي يجعل الحبر يغلب الألم، ويجعل من الكلمات فعل نجاةٍ لا ترفاً؟

يذهب جورج أورويل في مقالته الشهيرة لماذا أكتب إلى أن الكاتب لا يُفهم دون معرفة جذوره، لأن كتاباته امتداد لزمنه وتجربته. ويصف الكتابة بأنها ضرورة داخلية ودافع قهري يرتبط بالصدق ومواجهة الأكاذيب، والكشف الأخلاقي، ويحدّد أربعة دوافع للكتابة: الأنانية والرغبة في الخلود، تقدير الجمال ومتعة اللغة، والحاجة إلى توثيق الحقيقة، ثم الغاية السياسية لتغيير العالم. لكنه يعترف بأن الكتابة ليست شغفاً بريئاً، بل نضال فظيع مُنهِك، مثل صراع طويل مع مرضٍ مؤلم، ما كان لأحد أن يُقدِم عليه لولا شيطانٌ لا يستطيع مقاومته ولا فهمه. ذلك الشيطان هو ما أبقاه حيّاً وهو يكتب روايته 1984 في جزيرة جورا النائية في إسكتلندا. حيث كان يصارع السل الرؤي في أصعب مراحله، في بيتٍ رطب معزول بلا كهرباء تقريباً، يصل إليه الطعام بالقوارب، لكن عزيمته ظلت أقوى من المرض والعزلة. كتب الرواية بين نوبات السعال وضيق التنفّس، وأرسل مخطوطها إلى الناشر وهو لا يعلم إن كان سيعيش ليراها مطبوعة. ورحل بعد صدورها بعام واحد؛ وكأن الرواية انتزعت ما تبقّى من حياته لتبقى هي على قيدها.

قبل أورويل بثلاثة قرون، عاش ميغيل دي ثربانتيس حياة شقية وإن اختلفت الأزمنة. كتب دون كيخوته بين السجن والمنفى، وأُسر خمس سنوات في الجزائر، ثم عاد إلى إسبانيا ليُلقى به في السجن بسبب الديون. وهناك، في زنزانةٍ ضيّقة، بدأ كتابة الرواية التي ستُعدّ أول رواية حديثة في التاريخ. كانت السخرية طريقته في المقاومة، والخيال خلاصه الوحيد من واقعٍ يزداد قسوة وظلماً. من زنزانته خرج حلم الفارس الحالم الذي يقاتل طواحين الهواء، رمزاً للإنسان الذي

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح