صانعو الظلال في فلسفة الطغيان

40 مشاهدة

في الليلة التي هبط فيها الحاكم الجديد إلى ساحة البلاد، كانت الشوارع تضجّ بالتصفيق، لكن العيون وحدها كانت تعرف أن الرجل لم يأتِ من بينها. كان يمشي بثقة من يعرف طريقه جيداً، كأن أحداً رسم له خطوته قبل أن يخطوها، وكأن ظلاً طويلاً يسبقه أينما ذهب.

في السياسة، لا يولد الطغاة فجأة؛ فـخلف كل طاغية ستجد من يصنعه. إنهم لا يهبطون من سماء بلا سحب، ولا يخرجون من رحم الأمة كما يخرج القائد الحقيقي، ولا يتشكّلون من فراغ. إنهم ثمرة بيئات سياسية واقتصادية وثقافية، وشبكات نفوذ داخلية وخارجية، تلتقي جميعها عند نقطة خطيرة: رغبة مشتركة في السيطرة.

الطاغية ليس فرداً، بل مشروع. تخبرنا الفلسفة السياسية أن الاستبداد لا يُختزل في شخص، بل هو منظومة كاملة، وأن الطاغية ليس سوى الواجهة الأكثر صخباً لمشروع أكبر؛ مشروع تُصاغ ملامحه خارج الأضواء، ويتقاسم بناءه لاعبون محليون ودوليون، تحرّكهم المصالح والمخاوف والحسابات المعقّدة.

هنا، يصبح الطاغية مُنتجاً أكثر منه فاعلاً حراً؛ منتجاً لشبكات عميقة تتقاطع فيها مصالح أجهزة أمن، واستخبارات أجنبية، ورجال أعمال، ومراكز فكر، ونخب محلية تبحث عن حماية امتيازاتها ولو على حساب حريات الشعوب. فاليوم تُحكم الشعوب بطرق أضمن وأقل كلفة: عبر أنظمة تُدار، لا دول تُحتل.

الطاغية ليس فرداً، بل مشروع. تخبرنا الفلسفة السياسية أن الاستبداد لا يُختزل في شخص، بل هو منظومة كاملة، وأن الطاغية ليس سوى الواجهة الأكثر صخباً لمشروع أكبر

فالهيمنة لا تحتاج إلى الجنود وحدهم، بل تحتاج قبل ذلك إلى الوسيط: إلى من يفتح بوابات النفوذ، ويضمن الانصياع، ويقدّم مصالح الخارج بوصفها مصالح الداخل، ويقمع المجتمع إذا تمرّدت فطرته أو نهض وعيه.

هنا، تتجسّد فكرة الصانع الذي يختبئ خلف الستار؛ صانع يدرك أن الحكم المباشر لم يعد ممكناً في عصر الدولة الوطنية، وأن الهيمنة الحديثة تحتاج إلى وكلاء محليين يتحدثون لغة الشعب، لكنهم لا ينتمون إلى آماله. شخص لا يظهر في الصورة، لكنه حاضر في كل التفاصيل: في العقد الأول الذي وقّعه الطاغية، في صفقة السلاح، في

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح