شيماء ورفعت العرعير لا بد أن تعيشي لتروي حكايتي

٣١ مشاهدة
قتل الاحتلال الإسرائيلي الشابة الفلسطينية شيماء رفعت العرعير في السادس والعشرين من نيسان إبريل الماضي كما قتل والدها الشاعر والأكاديمي الغزي 1979 2023 في السابع من كانون الأول ديسمبر الماضي استهدف قتل شيماء أيضا زوجها محمد عبد العزيز صيام وطفلهما الرضيع عبد الرحمن الذي ولد خلال العدوان إن لم يكن هذا القتل الإسرائيلي المتسلسل تعريفا للإبادة الجماعية فما تعريفها وكيف تكون إذن أقل من خمسة أشهر تفصل بين عمليتي الإعدام هاتين ولا شيء تغير في صلب المشهد فالقاتل طليق يمارس كذبه ووقاحته بين شيماء ووالدها هناك فسحة إنسانية ممتدة تروي لنا حال غزة هناك حكاية فلسطينية تكثف فصولها عائلة شهيدة الحمد لله بنتي الشيماء جابت 89 9 هكذا استعاد البعض تغريدة قديمة للأب على إكس منذ عام 2021 يخبر فيها الناس عن نجاح ابنته واستعدادها لدخول الجامعة لتنهال التبريكات بعدها والتي تذكر بـأن البنت سر أبيها بينما استذكر آخرون حين كانت تأتي مع والدها إلى الجامعة حيث كان يدرس وهي ما تزال بعمر الخمس سنوات صور أخرى للعرعير الأب وهو محاط بالأطفال واستعادة أبدية لمقولته الشعرية التي طافت العالم إذا كان لا بد أن أموت لكن لشيماء حضور آخر في حياة والدها يمكن من خلاله الإطلالة على كتابة فلسطينية بكل معنى الكلمة ونعني هنا حضورها الملهم الذي يتبدى في افتتاحية العرعير لكتاب غزة ترد بالكتابة الذي حرره وجمع فيه 23 قصة قصيرة لمجموعة كتاب شباب من غزة وصدر عام 2014 حملت افتتاحية الكتاب عنوان غزة ترد بالكتابة رواية فلسطين وهي العبارة التي اختارتها مجلة الدراسات الفلسطينية لتكون عنوانا لعددها الصادر حديثا 138 ربيع 2024 قبل قتل شيماء بأيام وتضمن ترجمة للافتتاحية أنجزها الباحث والأكاديمي عبد الرحيم الشيخ الذي يوضح أن قصيدة العرعير التي ذاع صيتها بعد استشهاده قد كتبت عام 2011 وأن المخاطب فيها هو ابنته شيماء إذا كان لا بد أن أموت فلا بد أن تعيشي لتروي حكايتي ولتبيعي أشيائي ولتشتري قطعة قماش وبعض الخيوط ولتكن بيضاء بذيل طويل وقد ختم بها تلك الافتتاحية أي أنها نشرت مع غزة ترد بالكتابة القصيدة مكتوبة أصلا بالإنكليزية وافترضت معظم ترجماتها التي ظهرت بعد استشهاد صاحبها أن المخاطب بضمير المذكر أقل من خمسة أشهر تفصل بين قتل الأب ومن ثم ابنته يعود العرعير في مقدمة كتابه الذي وضع إثر عدوان عام 2014 إلى عدوان سابق عملية تحمل اسما صهيونيا صرفأ الرصاص المصبوب 2008 2009 واستمرت 23 يوما حينها كانت شيماء في الخامسة من عمرها تقف أمام والديها بحيرة في ما لو كان الله الرحيم المحب الذي تعلمت عنه في الروضة والذي يحمي عادة الطيبين في قصص أمها لا يمكن أن يكون هو الله نفسه الذي خلق ماكينات القتل التي لم تجلب لنا على امتداد أيام وليال إلا الموت والفوضى والدمار هكذا يقرأ الغزي واقعه يفسر العدوان بسابقه ويفتش عن أصل الإبادة ومكامنها ليقف أمام أسئلة أطفاله عاجزا لا يحير جوابا يكتب الأب إن لم أستطع أن أجيب عن سؤالها فقد عرفت شيئا واحدا وهو لماذا كبرت شيماء بما يكفي في أسابيع قليلة لتسأل مثل هذا السؤال البليغ لكن شيئا لا يكسر ذلك العجز ويتجاوزه مثل رواية القصص وكتابتها وفي تلك الفترة كان رفعت العرعير الأكاديمي الشاب الحاصل على الماجستير من كلية لندن الجامعية يدرس الأدب العالمي والكتابة الإبداعية في الجامعة الإسلامية بغزة وقد كانت الأعوام الفاصلة بين عدواني 2008 و2014 الأكثر إنتاجية في حياته وفيها أتيح له الاحتكاك والتعرف إلى الطلبة الذين سيكتبون تلك المجموعة القصصية المشتركة ومن بينهم حنان حبشي ويوسف الجمل وسميحة علوان وإلهام حلس الذين سيترجمون تجاربهم أثناء العدوان إلى قصص تنقل تفاصيل المذبحة المستمرة نستذكر هؤلاء كأمثلة اليوم وقد أضافت الإبادة الراهنة طبقة ثقيلة إلى السرد والقصص المتداخلة عبر الأجيال والعدوانات اللافت أن رفعت العرعير لا يستحضر ابنته شيماء فقط في غزة ترد بالكتابة بل يعود أيضا إلى مرويات أمه التي كانت تحكيها له عن غزة وصمود أهلها في وجه الاجتياحات المتكررة لها يكتب كان شعر رأسي يقف ذلك بأن مجرد فكرة اقتراب أمي إلى هذا الحد من الموت فقط لكونها هناك ما يزال يذهلني مرويات ظل يسترجعها وهو فتى يرمي الحجارة على حواجز الاحتلال وجنوده إبان الانتفاضة الأولى كما رددها مرات ومرات وهو الأكاديمي الأستاذ على مسامع طلابه وكذلك أبنائه شيماء وعمر وأحمد وأبناء أخيه حين كانوا يلجأون معا إلى إحدى غرف المنزل احتماء من الغارات والقصف نظر إلى الكتابة بوصفها التزاما تجاه الأجيال المقبلة نعم قيض للشاعر الشهيد أن يستمع إلى حكايا أمه لكن يد الإبادة نالت من حفيده قبل أن تسري الحكاية من فم الأم شيماء إلى مسامعه وقبل أن تصنع له يدها طائرة ورقية وكأن وصية جده الشعرية تتحقق إذا كان لا بد أن أموت فلا بد أن تعيشي لتروي حكايتي ولتبيعي أشيائي ولتشتري قطعة قماش وبعض الخيوط ولتكن بيضاء بذيل طويل كي يبصر طفل في مكان ما في غزة وهو يحدق في السماء جاعلا إياها تخجل من نظرته منتظرا أباه الذي رحل فجأة دون أن يودع أحدا ولا حتى لحمه أو ذاته يبصر الطائرة الورقية طائرتي الورقية التي صنعتها أنت تطير في الأعالي ويظن للحظة أن ثمة ملاكا يسترجع الحب إذا كان لا بد أن أموت فليأت موتي بالأمل وليصبح حكاية مرة أخرى الإبادة أضافت طبقة ثقيلة على السرد تحاول من خلالها بتر الحكاية الفلسطينية وأن تضع لها حدا تمنع من تجاوزه هذا هو مسعى الاحتلال الأول والأخير إعدام الرواية استكمالا لسرقة الأرض فلسطين على مرمى قصة هكذا أوجز رفعت العرعير غايته من غزة ترد بالكتابة مؤكدا أن ما تحتاجه فلسطين هو أن تحيا فلسطين الحرة حيث يتعايش كل الناس بغض النظر عن اللون أو الدين أو العرق نعم صاحب هذه الكلمات أباد الاحتلال عائلته بالصواريخ الذكية يكتب نعلم أننا ننتمي إلى هنا إلى فلسطين ونكتب لا لنستجدي حقوقنا وحياة أفضل بل لنفي بالتزاماتنا تجاه أنفسنا وتجاه الآخرين وتجاه الأجيال المقبلة إن استعمار فلسطين جاء على شكل قصيدة وقصة قبل أن يصير واقعا لذا فلتتجسد فلسطين الحرة أولا في شكل قصة أو قصيدة ولئن كان استذكار هذه الكلمات واجبا عند استشهاد صاحبها والباقين من عائلته فهو أولى وأحق أن يظل حاضرا ما دام النضال الفلسطيني مستمرا

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح