شوك وقرنفل يحيى السنوار ضد موت المؤلف

٣٨ مشاهدة
لم تنل رواية يحيى السنوار الشوك والقرنفل كبير اهتمام في العالم العربي لكنها سرعان ما أصبحت الأكثر قراءة بعد نشر خبر استشهاده يصبح خطاب الفرنسي رولان بارت في كتابه نقد وحقيقة وفي هذه الحالة تحديدا خطابا مباشرا وصريحا ويتوجه إلى الهدف مباشرة تتملص كلمتا موت المؤلف من النظريات والسياقات المعرفية تنفك من كونها مجازا وتصبح حقيقة مجردة موت المؤلف هنا بالمعنى الحرفي للكلمة هو ما يشكل أدبه ويصير استشهاد السنوار هو تماما روايته شوك وقرنفل الموت هنا وفي حالتنا هو الاستشهاد هو صانع النص هو صانع التلقي وهو في المقام الأول علة القراءة وسببها وإذا ما اعتبرنا السنوار بمعزل عن كل أدواره الأخرى مؤلفا فإن موته هنا يصبح تحصينا ضد الموت نفسه موت المؤلف حياة أخرى ما حاول بارت قوله في أطروحته القصيرة موت المؤلف هو أن ابتعاد المؤلف ليس حدثا تاريخيا أو فعلا كتابيا فقط إنه يحول النص الحديث من أدناه إلى أعلاه أو إن النص ليصنع من الآن فصاعدا ويقرأ بطريقة تجعل المؤلف غائبا عنه على كل المستويات إننا لنعرف الآن أن النص ليس سطرا من الكلمات ينتج عنه معنى أحادي أو معنى لاهوتي لرسالة جاءت من قبل الله ولكنه فضاء لأبعاد متعددة تتزاوج فيه كتابات مختلفة وتتنازع فالنص نسيج لأقوال ناتجة عن ألف بؤرة من بؤر الثقافة وقد سبقه إلى قول ذلك نقاد وكتاب أوروبيون كثر مثل مالارميه الذي دعا إلى ضرورة إحلال اللغة ذاتها محل من كان مالكا لها فاللغة هي التي تتكلم وليس المؤلف ولابد من الإشارة أيضا إلى جهود بول فاليري الذي كان دائم السخرية من المؤلف ودائم التأكيد على أن اللجوء إلى دواخله خرافة وأنه لا بد من التركيز على البنية اللغوية لعمل المؤلف وإقصائه عنها ينتهي دور المؤلف حسب هذه الأطروحة بكتابة النص ثم يقع العبء على القارئ في عملية القراءة عبء تعددية المعنى واختلافه وتوليده أو إعادة إنتاج النص موت المؤلف مولد المؤلف قام شعار المدرسة البنيوية في القرن الماضي لا سيما في أطروحة موت المؤلف على الجملة التالية مولد القارئ ينبغي أن يقابله موت المؤلف تصبح هذه المعادلة مستحيلة التحقق مع السنوار أنهى الرجل كتابة روايته وهو في معتقل في بئر السبع سنة 2004 في الأصل الحكم النقدي على أدب السجون أو الأسرى هو حكم ملغوم إذ لا يمكن الفصل بين تجربة الأسير سيما إن سماها مسلخ غزة مثلا كما فعل السنوار وبين أدبه المادة الأدبية هنا هي مادة تسجيلية تأريخية حجة تاريخية توثيق كل كلمة فيها تاريخ وتأريخ حتى لو كان جزء منها خياليا ثمة أسرى كثيرون حاولوا القفز عن هويتهم كأسرى والإبقاء على هويتهم كمبدعين عانى باسم خندقجي مثلا من هذا الربط طويلا واحتج عليه لكن خندقجي كاتب في المقام الأول أما دور السنوار فمختلف قائد مهندس حرب الكتابة متصلة بمشروعه المقاوم ولا يمكن أن تنزاح عنه القفز أو التجاوز لمسألة أن المؤلف أسير شيء نادر حضر مثلا في التجارب الروائية لأسامة العيسة وباسم خندقجي وإسماعيل رمضان إذ كتب هؤلاء الثلاثة بما يتجاوز سمات أدب الأسرى لكن نهاية قناع بلون السماء لخندقجي تعود فتشير إلى أن التجاوز صعب إذ يجيء في نهايتها تمت 2021 سجن جلبوع الكولونيالي لم يكن السنوار صاحب مشروع روائي اكتفى بقول قوله هذا في الشوك والقرنفل ولم يعد إليه الكتابة كمشروع هنا هي شيء متصل بمشروعه المقاوم عموما ولا يمكن أن ينزاح عنه من التقديم نفسه للرواية يحدد السنوار خطابه كل حدث منها أو كل مجموعة أحداث تخص هذا الفلسطيني أو ذاك وكل ما سوى ذلك حقيقي عشته أو عاشوه إعلان فعل العيش هذا يحدد للقارئ كيف يمكن أن يتعامل مع المادة التي بين يديه هذه قصة حياة معايشة واستشهد السنوار فشاهدنا معايشة الموت أيضا كما صوره درون الاحتلال يجلس السنوار بلثامه على أريكة وكأنه ينتظر ضيفا ظهره منتصب على الرغم من الإصابة والصدر مرفوع رغم ضيق النفس يرمي آخر ما تبقى معه عصا صغيرة من خشب يرميها إلى الخلف بقفا يده كي يصيب بها المسيرة ويكمل تحديقه إلى أمام آخر سلاح بدائي تبقى في مواجهة أعتى أسلحة القرن كائن يطير ويلتقط صورا ويصنع أشرطة مصورة ويمكن أن يقتل ويفتك ويدمر هذه المرة رأينا شاهدنا بأم العين كيف يموت الرجل شاهدنا كيف ترمي يده العصا وكيف ينتظر ضيفه الموت في حالتنا الشهيد حي يرزق عند ربه كما أن الحكاية كاملة نشرها مراسل إذاعة جيش الاحتلال نقلا عن شهادة أحد الجنود توجهنا لتفجير مبنى ليخرج منه أربعة مقاتلين ثم ظهر مقاتل آخر ليبدأ بإلقاء القنابل باتجاه الجيش أطلقت النيران على أربعة مقاتلين وقصف البيت الذي ترمى منه القنابل بعدة قذائف من الدبابة لم ننجح بقتل رامي القنابل السنوار صوب باتجاهه صاروخ محمول من جندي وأرسلنا مسيرة للتثبت من مقتله لكنه لم يكن قد قتل حيث بدأ بإلقاء الحجارة والخشب على المسيرة وأسقطها وكان مصابا رفع رأسه بعدها فتمكنا من إصابته برصاصة في رأسه حصل ذلك في المساء عدنا في اليوم التالي لتفحص الجثمان ليتبين أنه السنوار من هنا تصبح العبارة البنيوية على هذا النحو مولد المؤلف يجب أن يقابله موت المؤلف القابل للقراءة والقابل للكتابة تقسم النصوص حسب استهلاكها وفقا لبارت هناك نص نصفه بأنه قابل للقراءة إذا كانت قراءته ممكنة لكن إعادة كتابته غير ممكنة ونصف نصا آخر بأنه قابل للكتابة إذا كان بالإمكان إعادة كتابته وهذا ما يدعو إلى قراءة فعالة ويجعل من القارئ منتجا للنص يؤكد بارت أن الكاتب غير موجود إلا عبر تعددية القراءة التي توفرت لعمله إن ما يفعل النص هو القارئ هذه المرة يعيد السنوار نفسه الكتابة نهاية الرواية هي نهايته على اختلاف بعض جزئياتها انتظر يحيى السنوار عشرين سنة كي يحقق أيضا معايشة مقطعه الأخير في الرواية أعاد إنتاج نصه عبر الفعل فعل نصه لم ينتظر قارئا ولا قراء يتمثل الفعل هنا في أنه معايشة وإعادة إنتاج في آن ما الذي ترك للقارئ كي يعيد كتابته لا شيء إلا المشاهدة كاتب فلسطيني

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح