شهود الزور وغرنيكا ضياء العزاوي
معرض ضياء العزاوي في غاليري صالح بركات ببيروت فريد وباهر. لا تزال، وأنت تشاهد، تشعر بأنك أمام عمل واحد، بل أنت أمام فصول من عمل واحد. اللوحات التي تحمل تواريخ من 2019 إلى 2023، تبدو كأنها لم توجد عبثاً في هذه القوالب، التي تمتد عرضاً وتضيق طولاً بالنسبة لعرضها. هذه القوالب تجعل اللوحات بعضها مقابل بعض، خطواتٍ انتقاليةً، كمقاطع متواصلة، لا يبدو أن الفنان غريب عن هذه الفكرة، إذ إن الشعر الذي استهل به كاتالوغ المعرض ليوسف صايغ وطني لم يشهد زوراً/ يوماً/ لكن شهدوا بالزور عليه.
من هذه الأبيات يستخرج العزاوي عنواناً شاملاً للمعرض شهود الزور. قد يربكنا العنوان، لكننا نفهم فوراً أن العراق هو المعني، وأن شهادة الزور هذه تعود إلى الكارثة التي حاقت به، وما زالت منذ عقود. هناك إذاً مرجع سياسي للعمل كله، هذا ما يجعلنا نتيقن من الانطباع الأول الذي تبادر إلينا، من قوالب اللوحات الطولية العرضية، وانفراد إحداها بالأسود والأبيض والرمادي، بينما تختصر الثانية في ثلاثة ألوان بديلة، بذلك تخطر لنا غارنيكا بيكاسو، والحق أن هذا الخاطر يساورنا في أثناء تأمل المعرض غير مرة، وأظن أن العزاوي نفسه ليس بعيداً عنه.
هناك مدينة حقيقية، بكل عمرانها وكل هياكلها، إنها مدينة للحياة
لكن المضي في تأمل اللوحات الملونة، انتهاء باللوحة النافرة من السيراميك التي انبسطت على أرض المعرض، يدعونا إلى أن لا نبالغ في ذلك. لا بد أن غرنيكا لم تكن غائبة عن خيال العزاوي وهو يباشر لوحاته، الأرجح أنه طمح إلى أن يصنع للمأساة العراقية عملاً مقابلاً. لكن العزاوي فنه كذلك، وهو كذلك أنشأ مقابل غرنيكا بيكاسو، غرنيكاه الخاصة، بل إنه صنع، في مقابلها، ما يبتعد بالتدريج عنها، ليصل هكذا إلى بصمته هو، لتتكامل روايته العزاوية في لوحاته.
تبدأ هذه الرواية، إذا جاز التعبير، بلوحة عرضية مديدة من أحمر وأسود، الأحمر بوتيرة واحدة وكذلك الأسود. الأشكال السوداء شبحية، واللوحة هي هذا الاستشباح الليلي على خلفية حمراء. هذا
ارسال الخبر الى: