بزنس شركات السلاح يلتهم ثروات الأمم بالحروب والنزاعات
٨٤ مشاهدة
من الطبيعي جدا أن يكون مزاج المستهلكين وأهواؤهم الهدف الأول لحملات تسويق السلع والمنتجات التي تضطلع بها أي شركة تطمح إلى اقتحام الأسواق وتكبير حصتها في كعكة المبيعات وبالتالي جني أكبر قدر ممكن من الأرباح والمحافظة لاحقا على نسب نمو تضمن بقاءها وازدهار أعمالها غير أن هذه المقاربة لا تنطبق على شركات السلاح العالمية لك مثلا أن تتخيل عالما متصالحا تماما ومجتمعات تنعم برغد العيش والرفاهية مع نظم قضائية عادلة وشبكات أمان اجتماعي فاعلة عندئذ سيبدو مضمونا أن موجة إفلاس واسعة النطاق ستضرب شركات السلاح المشغلة لمصانع البنادق والقاذفات والقنابل والدبابات والطائرات وغيرها من الآلة القاتلة المستخدمة في الحروب والنزاعات والجرائم ضد الإنسانية على نسق ما يحدث من حرب دامية مدمرة بين روسيا وأوكرانيا أو ما يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين منذ أكثر من تسعة أشهر فضلا عن اشتعال الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة مع حزب الله اللبناني ويمكنك أن تسوق على ذلك أمثلة كثيرة هذه المقاربة تطرقت إليها مجلة إيكونوميست The Economist البريطانية الأحد حيث لاحظت أن أعمال شركات السلاح ليست مثل بقية الأعمال فهي منيعة أمام الاقتصاد الكلي ومحمية من أذواق المستهلكين المتقلبة وتتحدد آفاقها بعامل واحد وهو مدى التهديد العسكري الذي يشعر به عملاؤها الحكوميون مشيرة إلى أنه مع اشتعال الحروب في أوكرانيا وغزة وحرب أخرى على شفا الهاوية بين إسرائيل ولبنان مع ظهور بوادر لمناخات الصراع بين الصين وتايوان ارتفع إلى مستوى عال من التهديدات بينما تنطلق في واشنطن قمة قادة دول الناتو اليوم الثلاثاء على أن تستمر حتى الخميس بالأرقام في العام الماضي أنفق أعضاء حلف شمال الأطلسي البالغ عددهم 32 دولة 1 3 تريليون دولار على الدفاع وهو رقم قياسي بعد التكيف مع التضخم على الأقل منذ سقوط الاتحاد السوفييتي فأميركا وهي أكبر دولة منفقة على الإطلاق خصصت ميزانية قدرها 842 مليار دولار هذا العام أما الأوروبيون الأكثر ميلا إلى السلام تاريخيا والذين تخيفهم الدبابات الروسية الموجودة على عتبات أبوابهم تجدهم يتراجعون عن عقود من شح إنفاق أدى إلى نقص الاستثمار المتراكم في المعدات تناهز قيمته 600 مليار دولار هذا فيما يتوقع حلف شمال الأطلسي هذا العام أن يحقق 18 عضوا هدف تخصيص 2 من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع مقارنة مع 3 عام 2014 وليست كل هذه المبالغ مخصصة للآلة الحربية واللوجستية بطبيعة الحال لأن هذه الأرقام تلحظ دفع أجور الجنود وتشغيل القواعد وصيانة المعدات لكن في العام الماضي تم إنفاق 28 من ميزانية الدفاع الجماعي لحلف شمال الأطلسي أو حوالي 360 مليار دولار على أنظمة الأسلحة والمركبات وغيرها من المعدات الرئيسية وكان ذلك أكثر من ضعف الحصة قبل 10 سنوات بينما من المتوقع أن تستمر المبالغ في النمو وفي هذا الصدد يتوقع للمجلة تشارلز وودبورن الرئيس التنفيذي لشركة بي إيه إي سيستمز البريطانية المصنعة للمقاتلة تايفون وغيرها ما يسميه مسارا طويلا من زيادة الإنفاق الدفاعي وكل ذلك يصب في مصلحة شركات السلاح في نهاية المطاف وهذا يبدو أشبه بمنجم ثروة في طور التكوين بالنسبة لشركات الأسلحة خاصة للمقاولين الأميركيين الرئيسيين المتمركزين في قلب المجمع الصناعي العسكري ذلك أن شركات السلاح الأميركية العملاقة مثل لوكهيد مارتن Lockheed Martin وأر تي إكس RTX ونورثروب غرامان Northrop Grumman تتفوق على منافسيها الأوروبيين من حيث المبيعات علما أن نصيب الأسد من مبلغ 315 مليار دولار يخطط البنتاغون لإنفاقه على المشتريات والبحث والتطوير هذا العام سيصب في جيوبهم في نهاية المطاف وقد حققت لوكهيد وحدها مبيعات بلغت 68 مليار دولار العام الماضي والملاحظ أن القيمة السوقية لكيانات شركات السلاح لم ترتفع إلا بالكاد منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022 حيث كان أداء لوكهيد وأر تي إكس ونورثروب أسوأ من الأداء العام لمؤشر ستاندرد أند بورز 500 للشركات الأميركية الكبرى والذي تفوقت عليه لعقود من الزمن حتى مع تحول نظيراتها الأوروبية إلى ازدهار قوي فقد ارتفع سعر سهم شركة تاليس Thales الفرنسية بنسبة 86 خلال هذه الفترة كما تضاعفت قيمة باي BAE أما شركة راينميتال Rheinmetall الألمانية فقد تضاعفت قيمتها أكثر من 5 مرات كذلك ضاقت الفجوة القديمة بين تقييمات شركات تصنيع الأسلحة الأميركية والأوروبية التي تقاس كنسبة من القيمة السوقية مضافا إليها صافي الدين إلى إجمالي أرباح التشغيل وفقا لاستنتاج جورج تشاو من شركة الوساطة بيرنشتاين Bernstein تجدر الإشارة إلى أنه بعد الحرب الباردة تضاءلت ميزانيات الدفاع الغربية وجرى تعليق قرارات الشراء وقلصت الشركات عملياتها الإنتاجية ثم في أعقاب هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 تحولت أولويات أميركا إلى مكافحة الإرهاب ما أدى إلى انخفاض بطيء في تصنيع المعدات ولاحقا حول التوتر الصيني في المحيط الهادئ التركيز الاستراتيجي الأميركي بعيدا من الأنظمة البرية مثل المركبات المدرعة بينما لم يفكر أحد في إضافة القدرة على إمداد أوروبا في أي حرب برية أما استعادة هذه القدرة فتتطلب سنوات وفقا لمجلة إيكونوميست التي تعتقد أن هذا لن يحدث إلا إذا أمكن ضمان استمرار الطلب على منتجات الشركات وفي هذا السياق يوضح وودبورن من شركة باي أن شركات الدفاع تحتاج إلى حالة تجارية معقولة لوضع الميزانية العمومية في مكانها الصحيح وهذه الحجة التجارية حتى الآن أكثر وضوحا في أوروبا منها في أميركا إذ قبل عام أبرمت باي صفقة لتجديد مخزون الجيش البريطاني من قذائف المدفعية والشهر الماضي فازت راينميتال بعقد شراء ذخائر من الحكومة الألمانية بقيمة 8 5 مليارات يورو في جانب آخر لا تكاد تشهد نموا الميزانية العسكرية الأميركية الضخمة ومن الممكن أن يؤدي قانون المسؤولية المالية المقر العام الماضي إلى تجميد الإنفاق بالقيمة الحقيقية حتى عام 2033 كما من المتوقع أن تنخفض المشتريات والبحث والتطوير العام المقبل وفي إبريل حذرت الرئيسة التنفيذية لشركة نورثروب غرومان كاثي واردن من تباطؤ نمو الإيرادات الإجمالية في الإنفاق الدفاعي الأميركي على المدى القصير وقد نمت مبيعات لوكهيد العام الماضي بنسبة ضئيلة بلغت 0 8 بالقيمة الاسمية مقارنة بعام 2021 وتجتمع الطرق الجديدة المقتصدة لوزارة الدفاع الأميركية مع تركيز جديد على الأنظمة الذكية الأكثر رشاقة على دبابات القتال الرئيسية والغواصات النووية والمقاتلات الشبح وما شاكل ذلك وهذا المزيج بدوره يجذب المنافسة في سوق تراجع فيه نسبيا وضع مقاولي المدرسة القديمة حول هذه النقطة يقول بالمر لوكي الرئيس التنفيذي في أندوريل Anduril وهي شركة ناشئة عمرها سبع سنوات في وادي السيليكون تصنع طائرات بدون طيار مستقلة وأنظمة أخرى تعتمد على البرمجيات إن البنتاغون يحتضن أخيرا شركات الدفاع غير التقليدية ويمكن لهذه الشركة الآن التنافس على أي عقد دفاعي تقريبا من خلال تعريض رأسمالها للخطر وهو يعتقد أنها لم تعد بحاجة إلى توظيف عدد من جماعات الضغط أكثر من المهندسين من أجل الفوز بالصفقات الحكومية وقد برز أهم انتصار أحرزته أندوريل في إبريل الماضي عندما تغلبت بالتنسيق مع جنرال أتوميكس General Atomics وهي شركة تصنيع أسلحة جديدة على بوينغ ولوكهيد مارتن ونورثروب غرومان في مسابقة لتطوير الطائرة القتالية التعاونية Collaborative Combat Aircraft ذاتية الطيران لصالح القوات الجوية الأميركية في غضون ذلك يحقق وافدون جدد انتصارات في سوق الدفاع الأميركي ففي مارس آذار الماضي اختار الجيش بالانتير Palantir وهي شركة تكنولوجيا ناشئة لتطوير شاحنة عملاقة مليئة بالبرمجيات لمعالجة بيانات ساحة المعركة وفي الشهر التالي اختيرت الشركة الناشئة سييرا نيفادا Sierra Nevada بدل بوينغ للحصول على عقد بقيمة 13 مليار دولار لتصنيع ما يحل محل طائرة يوم القيامة E 4B التي يمكن أن تكون مركز قيادة جويا للرئيس وكبار الضباط في حالة وقوع هجوم نووي