شرعية خريطة تيتيه المفقودة
كشفت المبعوثة الأممية إلى ليبيا هانا تيتيه، خلال زيارتها إيطاليا الاثنين الماضي، عن الملامح الأساسية لخريطة الطريق التي ستعرضها على مجلس الأمن في 21 أغسطس/آب الحالي، موضحة أنها تقوم أساساً على نهج اجتماعي تصاعدي لبناء شرعية الحل السياسي من القاعدة الشعبية صعوداً إلى قمة هرم الهياكل السياسية، وليس العكس. وضربت أمثلة على استمداد الخريطة المرتقبة شرعيتها من الإرادة الشعبية بسلسلة اللقاءات الموسعة التي أجرتها البعثة طيلة الأسابيع الماضية مع مكونات المجتمع الليبي، والاستطلاع الذي أجرته لجمع آراء أكثر من 15 ألف مواطن، في نموذج لتجاوز حالة فرض الحلول من النخبة في القمة السياسية.
أهمية تصريحات تيتيه هذه تأتي من كونها الأولى التي كشفت فيها عن ملامح الخريطة المرتقبة، وعلى الرغم من الآمال التي حملتها تصريحاتها هذه، إلا أنها تضمنت إقراراً بوجود عقبات تواجه أي حل سياسي، حددتها في عقبتين: الأولى غياب سياسة مالية موحّدة للبلاد، في اعتراف ضمني بانهيار المؤسسة المصرفية المركزية واستشراء هدر المال العام، والثانية انتشار مرتزقة أجانب في شرق ليبيا وغربها. هذا التناقض الجوهري في تصريحاتها يهدد أسس الخريطة المرتقبة قبل ولادتها، فكيف يمكن لـنهج اجتماعي تصاعدي يستند إلى الإرادة الشعبية في شرعيته، أن ينجح في غياب أبسط المقومات، غياب السلطة المالية الموحدة، وغياب الأمن بسبب المليشيات المسلحة المدعومة بمرتزقة أجنبية الأرض؟
هذا التناقض الأساسي قد ينذر بفشل مشروع هذه الخريطة من أصلها، فشعار البناء من القاعدة في ظروف كهذه يصبح وهماً في واقع يعيش فيه المواطن رهين مخاوف تلاشي المؤسسة المالية وهيمنة القوى المسلحة. والمعنى بوضوح جلي في أن تيتيه تستطلع رأي 15 ألف مواطن (في استطلاع أجرته عبر موقعها الرسمي) محاصرين بغياب الدولة وفوضى السلاح الأجنبي، ألا يعد هذا مؤشراً على استحالة تحقيق أبسط شروط النهج التصاعدي؟ قد تتبخر آمال خطابية تيتيه إن لم تنطلق في خريطتها بمعالجة العقبتين اللتين أقرت بهما، وإلا سيتحول شعار الشرعية الشعبية إلى خطاب يكرر فشل خرائط الطريق الأممية السابقة في ليبيا.
ارسال الخبر الى: