لقاء سياسي في الهند

١٩ مشاهدة
لم أزر الهند منذ فترة تتعدى عقدا ونصف عقد من الزمان ولذلك لما تلقيت الدعوة من مركز USANAS المعروف بأبحاثه السياسية والجيو سياسية والاقتصادية والداعم لأفكار الحزب الحاكم برئاسة ناريندرا مودي رئيس الوزراء لم أتردد في قبول الدعوة لأنني قد كتبت عن التغيرات في الهند وانتقدت سياستها الداخلية والخارجية تجاه المسلمين وتحول سياستها من دولة ناقدة لإسرائيل إلى دولة مؤيدة لها حتى ولو كانت الحكومة فيها برئاسة بنيامين نتنياهو وما يفعله في قتل فرص السلام والميل نحو التطرف المتشدد والاستهانة بالشعب العربي عموما والفلسطيني خصوصا وقد وصلت إلى المؤتمر في نهاية يومه الثاني ولكن بقي أمامي أن أقدم خطابي الأساسي Keynote Speech عن العلاقات العربية الهندية ومستقبلها خصوصا في ضوء أحداث غزة وقد كنت صريحا في خطابي وبخاصة عند الحديث عن تحول السياسة الخارجية الهندية نحو اسرائيل ومن المدهش أن هذا التحول قد أتى في زمان ارتفعت فيه العلاقات الاقتصادية بين الهند والعالم العربي إلى مستويات عالية وقفز حجم التبادل التجاري بين الدول العربية وبخاصة منطقة الخليج وبشكل أخص مع المملكة العربية السعودية وفي عام 2013 بلغ التبادل 120 مليار دولار ليقفز في عام 2023 إلى 240 مليار دولار ولكي تزداد العمالة الهندية في دول الخليج من حوالى 6 5 ملايين عام 2013 لتبلغ أكثر من 10 ملايين عام 2023 وقس على ذلك الاستثمار وانتقال رؤوس الأموال وارتفاع معدلات التبادل الثقافي والفني والتكنولوجي أضعاف ما كانت عليه قبل عقد من الزمان من المفروض في الظروف الطبيعية أن يؤدي الارتفاع في معدلات التبادل الاقتصادي بكل أبعاده إلى زيادة التعاون والتقارب السياسي ولكن هذا لم يحدث في العقد الأخير حين غيرت الهند من نموذجها المتبع في السياسة الخارجية من السعي لترسيخ مبادئ العدالة وحقوق الإنسان والدفاع عن مصالح الدول النامية إلى نموذج لا يبحث عن التعامل مع العالم كمجموع وبخاصة دول العالم الثالث بل إلى دولة تبحث عن ترسيخ علاقاتها الثنائية وقد أثرت النقطة بأن العلاقات الثنائية والتركيز عليها سيحول كثيرا من هذه العلاقات مع الدول إلى معادلة الصفر أو أن مصلحة الهند عند تحققها مع دولة ما قد تؤدي إلى خسارة هذه المصالح مع دول أخرى أما الأمر الثاني الذي أكده الباحثون الهنود وكثير منهم يستحق الاحترام والتقدير بسبب عمق تفكيرهم وحكمتهم في الحوار فهو أن لنا مصالح أساسية مع إسرائيل كنا نفتقدها بسبب تمسكنا بموقف الدفاع عن الحق الفلسطيني وحصل هذا التحول عام 1990 أي بعد 13 عاما من توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل ولذلك فإن الموقف الهندي الذي ارتكز على قيادة حزب الكونغرس الهندي برئاسة جواهر لآل نهرو والذي كان حليفا وشريكا للرئيس جمال عبد الناصر بعد مؤتمر باندونغ في إندونيسيا الذي عقد في شهر إبريل نيسان عام 1955 ومضى عليه قرابة سبعين عاما وهو وقت طويل تغيرت فيه الهند وظروفها وفي عام 1992 كانت الولايات المتحدة القطب الدولي الأعظم والأوحد خصوصا أنها تمكنت عام 1990 1991 من إقناع مجلس الأمن بإصدار نحو 40 قرارا خلال أشهر ضد العراق دون أن يصدر عن الدول دائمة العضوية أي فيتو وكلها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والهند التي كانت قد بدأت مرحلة التصنيع والانتقال تدريجيا إلى التركيز على تكنولوجيا المعلومات والفضاء حققت نجاحات باهرة في هذه المحاولات ورأت أن من المفضل التعاون مع الغرب وإسرائيل لأنها خرجت من قمقم الفقر وصارت دولة يعتد بها لكن الهند الأقرب إلى البراغماتيكية اليوم تبحث أثر تحول العالم من أحادية القطبية إلى مرحلة جديدة جاهزة لإعادة التفكير في مصالحها حيال تحولها الواضح باتجاه إسرائيل وفق الخبراء والهنود الدبلوماسيين الحاضرين فإن هذا الأمر قد لا يخدم مصالحهم وهذا التحول أمر فعلته أحداث غزة منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023 لقد كانت ردة الفعل الرسمية في الهند في بادئ الأمر هو إدانة هجوم حماس ولكنهم الآن يتحدثون ولو خلسة عن أن التكنولوجيا المتقدمة يمكن أن تهزم من قبل تكنولوجيا يدوية قليلة الكلفة والأمر الثاني الذي دفعهم إلى البدء في المراجعة أن إسرائيل قد أسرفت إلى مستويات دنيئة من الجريمة وأنها عرضت وجودها كله لمزيد من التحديات والمخاطر بدلا من تعزيز أمنها ومن ناحيته أكد الجانب الهندي أن العرب يجب ألا يتوقعوا من الهند أكثر مما يفعله العرب أنفسهم فهم يقولون إن بعض الدول العربية طبعت مع إسرائيل بموجب اتفاقات أبراهام فلماذا ينكر ذلك على الهند طالما أنه يخدم مصالح الهند وأكدوا في هذا السياق أن الهند تأخذ قراراتها وفقا لما تراه يخدم مصالحها فهي دولة عظمى وتسير نحو تبوؤ المركز الثالث اقتصاديا عام 2030 وأنها أكثر دولة سكانا وأن مكانتها الدولية قد ترسخت ولا يمكن لأحد أن يعكس ذلك ولكن نحن نريد أن نبقى دولة محترمة لها مبادئها ونحن ضد الجرائم بحق المدنيين ونحن لم نصوت ضد أي قرار يخدم مصلحة الفلسطينيين وأن الهند تعاني من الإرهاب المرتبط بالحركات الإسلامية التي عانت منها كثير من الدول العربية مثل الأردن وسورية والعراق ودول عربية في شرق أفريقيا ودول إسلامية في غرب القارة وقال لي بعضهم موضحا نحن عانينا من الإرهاب المتوشح بلباس الدين ولكننا قطعا لسنا ضد المسلمين هناك هنود لهم آراء متطرفة حيال الإسلام ومعظم الخلافات مع المسلمين الهنود نبعت من التعارض بين القوانين المدنية التي تسعى الهند لتطبيقها على جميع سكانها بغض النظر عن دياناتهم ولكن تعدد الزوجات مثلا نحن لا نقره ضمانا لحق النساء ولكننا لا نمنع بناء المساجد ولا نضايق بقوانينا لبس الحجاب أو الملابس الشرعية والهند أكثر دول العالم تنوعا في أقلياتها ولغاتها ولهجاتها وعاداتها وهناك ولايات لا تأبه إلا بسياسة الولاية نفسها خصوصا في الخمس ولايات الواقعة في أقصى جنوب الهند مثل كيرالا وتاميل نادو وغيرها لكن الحكومة المركزية تريد بناء الهوية الهندوسية الجامعة دون الانتقاص من حقوق الحكومات المحلية وسكان الولايات المختلفة وهذه معادلة صعبة بالطبع كانت لي تساؤلات عن هذه التفسيرات في موقف الحكومة الهندية وهي أنهم لا يحاربون ثقافة السيخ في البنجاب وقد قتلوا رئيسة الوزراء أنديرا غاندي ولم يسموه عملا إرهابيا ولم يتهموا التاميل في ولاية تاميل نادو بالإرهاب عندما قتلوا راجيف غاندي رئيس الوزراء ولم يراجعوا أنفسهم عندما هدموا مسجدا وأقاموا مكانه معبدا هندوسيا ولكن هل نحن العرب راغبون في خسارة دولة مهمة وعظمى في عالم قد يؤدي إلى جعل الهند والصين الدولتين الأعظم بعد عقدين من الزمان أو قبل عام 2050 علاقاتنا بالهند تاريخية وقديمة والهنود أذكياء ويعرفون مصلحتهم تماما وهم أكثر دولة بنت نفسها بنفسها بدءا من إنتاج الحليب وانتهاء ببناء القنبلة النووية والصواريخ العابرة للقارات والهنود يفكرون تفكيرا استراتيجيا وعلينا نحن في الدول العربية أن نفهم أن الكل يريد أن يلحس العسل المعقود على إمكاناتنا الطبيعية من نفط وغاز وغيره ولكن العالم لم يعد يخشى من نفطنا فنحن الأحوج لبيعه ولم يعد يخشى صولتنا لأننا متفرقون ولم يعد يأبه برضانا أو بغضبنا وزيارتي للهند أكدت هذه المعاني ورغم الألم الذي اعتصرني إلا أنني وجدت أن الهند سبقتنا بمراحل ولم يعد أحد قادرا على إكراهها على شيء لا تريده

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح