سورية سلطة ملء فراغ أم سلطة انتقال تأسيسية

بادئ ذي بدء، إنّ توصيف المشهد بعد 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 ضروري لفهم المصطلحات. ففي ذلك التاريخ انهار حكم عائلة الأسد، وتحوّلت موازين السيطرة السياسية والأمنية بسرعة غير مسبوقة منذ 2011. ومعظم السرديات الدولية تصف ما جرى بنهاية حكم امتدّ لعقود وبداية مرحلة سيولة في السلطة، تلاها تشكّل قيادة أمر واقع قادها أحمد الشرع، المعروف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني، كرئيس فعلي منذ ديسمبر/ كانون الأوّل 2024، ثم رئيسًا للدولة في 2025 وفق الإعلان السياسي الجديد. تقارير وتحقيقات وبيانات برلمانية غربية تؤكّد لقاءات رسمية معه، ما يعني أنّ المجتمع الدولي يتعامل معه كسلطة قائمة بغضّ النظر عن الجدل حول الشرعية أو العدالة الانتقالية.

ثانيًا، إنّ ملء الفراغ في السياسة يعني فقدان السلطة من دون ظهور بديل متوافق عليه يملك شرعية مستقرّة، ويظهر هذا الواقع بعد انهيار الأنظمة أو عجزها عن الحكم، فتتنافس قوى متعدّدة حتى تستقر معادلة جديدة. عند القياس على الحالة السورية بعد ديسمبر 2024، ينسجم المصطلح مع الواقع الأولي الذي شهد تراكب أجهزة محلية وإقليمية وتباينًا في التمثيل السياسي والقضائي.

ثالثًا، طبيعة السلطة الحالية تتبدّى عبر ثلاثة محاور: السيطرة الفعلية، درجة القبول، وإعادة بناء الشرعية. على مستوى السيطرة، اعتمدت القيادة الجديدة على خليط من شبكات قديمة وأخرى من المعارضة السابقة، مع تفاوت مناطقي في الانضباط. أحداث السويداء في يوليو/ تموز 2025 وما تلاها من توقيفات بحقّ عناصر وزارتي الدفاع والداخلية تظهر وجود تجاوزات، وفي الوقت نفسه سعيًا لإثبات قدرة على التحقيق والمُساءلة. هذا يعكس انتقالًا خشنًا يتخلّله صراع على قواعد العنف الشرعي.

إنّ ملء الفراغ في السياسة يعني فقدان السلطة من دون ظهور بديل متوافق عليه يملك شرعية مستقرّة

على مستوى القبول والاعتراف، ثمة تدرّج واضح: زيارات واتصالات من مسؤولين غربيين، وبيانات من منظّمات حقوقية تضغط على الرئاسة لنشر نتائج تحقيقات الانتهاكات، ما يعني أنّ التطبيع مع السلطة مشروط بتحسين الأداء المؤسسي والحقوقي. الاعتراف الوظيفي لتسيير الشأن الإنساني والأمني يظلّ قابلاً للارتداد إذا لم تتحوّل البنية السلطوية إلى