سورية الجديدة جسور بين الأفكار أم أنفاق للاختراق

43 مشاهدة

في رحلة الفكر الممتدة بين عراقة التراث ووهج الحداثة، يتقاطع الأصيل بالحديث. غير أنه لقاءٌ لا يخلو من توتر، حين يتحوّل من تكامل إلى صراع خفي، أو من تلاقٍ إلى خداع مقنّع.

إن الأصالة ليست جمودًا في الماضي، بل وعيٌ عميق أبدي باحتياج الإنسان. والمعاصرة ليست تقليدًا أعمى للطارئ، بل فقهٌ في تنزيل المتغير على الثابت. لسنا هنا نقصّ حكايات الحي اللاتيني في باريس وأزقة سوهو في لندن، ولا نفتّش عن رائحة الأفيون في سطور بودلير الشيطان، كما وصفه بعض النقاد الأوربيين، ولا نعقد المقارنات بين طُهْر النبوة وضباب المدارس الوجودية. ولسنا مأخوذين ببهلوانية المصطلحات وهي تنقضّ على التراث تحت لافتات العقل الماضوي والزحف الظلامي والتسلل الثيوقراطي، التي تتكرر كصدى أجوف في كل ورقة تقدّم نفسها على أنها فكر نقدي.

لسنا نخوض في ترهات من يحسب الحداثة ثوبًا مستعارًا، ولا في نُواح من يرثي الماضي بجمود ساذج. نحن أمام معركة هوية، ومرحلة استحقاق حضاري، تُفتَرض فيها الصراحة لا المراوغة والمداهنة.

فإن كانت الجسور بين الأفكار مطلوبة، فلتكن جسور فهمٍ لا أنفاق اختراق، ولتكن جسور تكاملٍ لا أنفاق هيمنةٍ وإلغاء. لكن حين يُسخّر الفريقان مفاهيمهما لخداع الآخر، ومداراته لتمرير مشروعه، يتحوّل الجمع بينهما إلى ساحة صراع فكري، لا لقاء حضاري.

لقد رأينا كيف لبست بعض التيارات عباءة التجديد، وهي تنخر في بنية النص لتجرّده من روحه، كما رأينا من يعطّل فاعلية الشريعة باسم حراسة الموروث، فيجمّد الحياة ويصادم الواقع لينزوي في العزلة.

علّمنا التاريخ أن كل أمة حاولت أن تقفز فوق تراثها سقطت في فوضى الهوية، وأن كل أمة رفضت السير مع الزمان ماتت اختناقًا في قوقعة الماضي

وفي تاريخنا المجيد، لم يكن ابن خلدون أقل أصالة حينما تحدّث عن العمران والاجتماع بلغة عصره، كما لم يكن الشاطبي خارج الحداثة حين فهم مقاصد الشريعة في تنزيل الأحكام. علّمنا التاريخ أن كل أمة حاولت أن تقفز فوق تراثها سقطت في فوضى الهوية، وأن كل أمة رفضت السير مع الزمان ماتت اختناقًا في

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح