سهيل رضوان مسارات موسيقية للمعلم الأول

٣٠ مشاهدة
يغلب في عرف الناس أن يكون بلوغ سن الستين محطة للتقاعد والراحة لكن الموسيقي الفلسطيني ابن مدينة الناصرة سهيل رضوان جعل من لحظة التقاعد منصة انطلاق لعمل دؤوب متواصل أسفر عن ميلاد فرقة الموسيقى العربية التي ضمت 18 عازفا من أمهر الموسيقيين وحرصت على تقديم التراث الموسيقي الشرقي والأعمال الغنائية لأهم الملحنين والمطربين العرب انطلقت الفرقة في عام 1991 فأكسبت جبهة الكفاح الفني لـعرب الداخل قوة وزخما وحضورا وأثبتت أن سنوات الاحتلال والاعتراف الدولي بقيام إسرائيل على أراضي فلسطين التاريخية وحمل جوازات السفر الخاصة بالدولة العبرية كل ذلك لم يكن ليؤثر في الانتماء العربي ولا الهوية العربية لأصحاب الأرض على اختلاف أديانهم وتوجهاتهم السياسية فالجماهير التي ترحب بعزف البشارف والسماعيات وتطرب لأداء القصائد والموشحات وتتمايل مع أغنيات عبد الوهاب وأم كلثوم لا يمكن أن تدير ظهرها للتاريخ ولا للثقافة ولا أن تنقطع عن جذورها الفنية التي تمثل أحد أهم مظاهر الوحدة الثقافية في مدن فلسطين التاريخية ولد سهيل رضوان عام 1931 أي أنه عاش 17 عاما قبل قيام دولة الاحتلال أبوه من قرية البروة التي اشتهرت بكونها قرية الشاعر محمود درويش لكن بلدات فلسطينية أخرى رعت رضوان ولد في بيسان وعمد في الناصرة وتعلم في مدارس عكا والقدس وتنقل مع أسرته إلى صفد وغزة يتذكر حياته في الناصرة قبل النكبة ويتذكر لحظات سقوط المدينة في يد العصابات الصهيونية قائلا كنا نعيش في عمارة البوليس يوم جاؤوا واحتلوا المدينة اضطررنا إلى النزوح بعدما رموا قنابل على العمارة بعد إتمام دراسته الابتدائية في الناصرة اختير سهيل رضوان مع ثلاثة طلاب للتعلم في مدرسة الرشيدية المرموقة في القدس في تلك الفترة لم يكن له أي اهتمام موسيقي أو بتعبيره كنت في واد والموسيقى في واد كان يميل إلى الرياضيات ويتمنى أن يصبح مهندسا ميكانيكيا ثم جاءت النكبة وتبددت معها الآمال لكن أقدار الفن في الناصرة هيأت له تعارفا بموسيقار أرمني يدعى ميشيل ديرملكنيان كان الباب الأول الذي دخل منه إلى عالم الموسيقى ففي عام 1952 انضم إلى جوقة الطليعة التابعة لحركة الشبيبة الشيوعية التي يرأسها ديرملكنيان وبدأ بدراسة الموسيقى معه وفي فترة وجيزة صار سهيل رضوان أول معلم موسيقي عربي في البلاد بعد النكبة لكن وزارة التعليم الإسرائيلية أبعدته مع عدد من المعلمين بتهمة الشيوعية في أوائل الخمسينيات صار أول مدرس للموسيقى في الناصرة وتوثقت علاقته بالموسيقى الدينية فقاد جوقة الترانيم الخاصة بكنيسة مار يوحنا الإنجيلية في حيفا ثم قاد جوقة أخرى تابعة للكنيسة الأورثوذوكسية في المدينة كانت هذه الفترة مرحلة صقل وتدريب وتحصيل للخبرات العملية كان رضوان يرى أن لدراسة الموسيقى دورا مهما في تنمية وعيه بأهمية التراث في حضارة الشعب الفلسطيني وتنمية وشعوره بالمسؤولية تجاه وطنه وإشعال خوفه من اندثار ما تبقى من تراث موسيقي شعبي مع دخول عقد الستينيات قرر رضوان أن يستقر في مدينة حيفا وهناك بدأت خطته لنقل خبراته الموسيقية إلى الأجيال الجديدة أسس دائرة للموسيقى العربية في معهد روبين للموسيقى ثم تولى إدارة المعهد نحو عشر سنوات استطاع خلالها أن يكون جيلا من معلمي الموسيقى ومن المطربين والعازفين الذين صاروا لاحقا نجوم المشهد الفني في مدن فلسطين التاريخية ترقى رضوان في السلك الإداري لوزارة المعارف والتربية وأصبح مفتشا لمادة الموسيقى بالوزارة التي كلفته بوضع ثلاثة كتب للأناشيد بالمدارس العربية سارت حياة رضوان الفنية في ثلاثة خطوط أساسية متوازية خط التربية والتعليم والاهتمام بموسيقى المدارس العربية وخط الاهتمام بالمواهب وتأهيل الفنانين وأيضا خط التحصيل العلمي الأكاديمي في عام 1971 أنهى المستوى الأول من دراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامة بجامعة حيفا ليتحق بعدها بمعهد روبين في القدس مدة ثلاث سنوات أهلته لنيل الماجستير في الثقافة الموسيقية من جامعة القدس عام 1976 وعين معلما للموسيقى في دار المعلمين العرب بحيفا وفي هذه الفترة أيضا كثف الرجل نشاطه في جمع التراث الشعبي من الزجل الغنائي وقدم عدة برامج إذاعية وتلفزيونية وفي الثمانينيات أصدر كتابا تربويا للمدارس العربية بعنوان كلمة ونغم ترجم إلى العبرية يروي رضوان طرفا من جهوده لجعل الموسيقى التراثية الفلسطينية والغناء الشرقي حاضرا دائما وبالطبع وباعتباره من عرب الداخل لم يكن أمامه إلا التلفزيون الإسرائيلي يقول بين عامي 1972 و1984 أنتجت برامج موسيقية بدءا من البرنامج الموسيقي من أجوائنا الغنائية ثم برنامج من ليالينا الذي شمل أغاني شعبية وأدوارا ومواويل منوعة ومواويل نصراوية ثم أنتجت برنامج من ألحاننا المحلية لدعم وإنتاج الملحنين والمغنين المحليين وأخيرا عام 1980 قدمت برنامج الموشحات الذي أشرف عليه الموسيقي زكي سرور في عام 1990 خرج سهيل رضوان من خدمة وزارة المعارف للتقاعد لكنه بدأ فصلا مهما جديدا من مسيرته الفنية الطويلة متمثلا في تأسيس فرقة الموسيقى العربية التي بدأت عملها في معهد روبين بحيفا قبل أن تنقل عملها إلى الناصرة ضمن جمعية تطوير وتنمية الموسيقى العربية حرص رضوان على طابع شرقي يميز الفرقة في كل أنشطتها ظل الرجل طوال حياته يذكر باعتزاز أن الفرقة التي أنشأها حافظت على أصالتها من ناحية تركيبها بآلاتها الوترية وآلات الإيقاع الشرقية والناي وتجنب آلات مثل الغيتار والبيانو والأكورديون وغيرها في سنواتها الأولى بدأت الفرقة في تنظيم مؤتمرات الموسيقى والمهرجانات الفنية الغنائية وبعد انتصاف التسعينيات بدأت الفرقة عروضها في مهرجانات دولية وعلى مسارح كبرى أهلها انضمام الأصوات الواعدة لتقدم عروضا في فرنسا والسويد وهولندا وإيطاليا وإسبانيا والنمسا والمغرب وأوزباكستان وتركيا وعدد من المدن الأميركية فلسطينيا قدمت الفرقة محافلها في الناصرة وبيت لحم والقدس ونابلس وجنين ورام الله وبيت لحم وأريحا تعتز الفرقة بمحفل أحيته في قطاع غزة بمشاركة فيوليت سلامة أقيم على مسرح الهلال الأحمر الفلسطيني في خانيونس لتدشين القناة الفضائية الفلسطينية في عام 1998 يتذكر المهتمون بالشعر قصيدة أحمد شوقي في رثاء مصطفى لطفي المنفلوطي التي استهلها بقوله اخترت يوم الهول يوم وداع ونعاك في عصف الرياح الناعي فقد يشير أمير الشعراء إلى أن وفاة المنفلوطي صادفت يوم محاولة اغتيال سعد باشا زغلول فانشغل المصريون بهذا الهول عن توديع المنفلوطي بتشييع لائق موقف مماثل أعاد نفسه مع سهيل رضوان الذي لا يكاد يجد الباحث أي خبر منشور عن رحيله رغم مكانته الكبيرة وتاريخه الفني الممتد لكن العجب ينقضي حين نكتشف أن الرجل اختار توديع هذا العالم صباح السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي مع بدء طوفان الأقصى الذي شغل فلسطين والمنطقة والعالم كان رضوان يرى أن عرب 1948 فرع من شجرة كبيرة هي فلسطين وأن الاحتلال يحاول أن يقطع هذا الفرع عن شجرته الأم وكان يرى أن شحذ الذاكرة من أهم وسائل المقاومة فكان يختار ما يعرف بـيوم استقلال إسرائيل ليذهب إلى قرية أبيه البروة ليقف على أطلال الذكريات والحارات وعلى أنقاض الكنيسة التي هدمت قبل أعوام ليتذكر الدار التي كان يسكنها الجد رضوان الذي تشبث بأرضه ولم يغادرها بعد دخول جيش الهجناة الصهيوني إلى أن مات في أرضه بعد فترة وجيزة ورفض الاحتلال تسليم جثته أو التعريف بمكان قبره كان سهيل رضوان قصة كفاح ونضال موسيقي استمرت لنحو 90 عاما

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح