من سلطة الشعب إلى سلطة الفرد

25 مشاهدة

تبدو نظرية البناء القاعدي جذّابة ومغرية. انبثقت من الفكر الديمقراطي الذي ولد من خلال تفريعاته في مرحلة التخلص من الاستبداد والحكم المطلق الذي هيمن قروناً. لهذا، عندما بشّر بها في تونس من جديد الرئيس قيس سعيّد بعد ثورة 14 جانفي (يناير/ كانون الثاني 2011)، تفاعل معه الشباب بالخصوص، لأنهم اعتقدوا أن السلطة الفعلية ستصبح في أيديهم، وسيتخلصون من الأحزاب التي أمسكت بآليات القرار. وظنّوا أن المرحلة الجديدة ستجعل منهم السلطة الفعلية التي تدرس الأوضاع، وتقدّم البدائل، وتشترك مع الحكومة في رسم السياسات وتنفيذها. ولكنّ هذا الحلم الجميل تبخّر تدريجياً، بسبب تعقد الأوضاع، والاصطدام بمراكز قوى متعدّدة سحبت من أصحاب الحلم كل الصلاحيات التي ظنّوا أنهم سيتمتّعون بها.

أول مركز اعترضهم وهمشهم، رئيس الدولة صاحب المشروع. حصل ذلك عندما صاغ الدستور البديل، فمنح نفسه جميع الصلاحيات التي كانت في دستور الثورة موزّعة على عديد المؤسّسات والهيئات. جرت مركزة القرار بشكل مطلق، ما دفع الجميع إلى الطواف حول الرئاسة، ينتظرون أوامرها، فقدوا بذلك حقهم في المبادرة، فالسلطة لم تحرم فقط الأحزاب والمجتمع المدني، بل شملت بذلك أيضاً بقية الأطراف، بمن فيهم أنصار المشروع المدافعون بحماسة عن نظرية البناء القاعدي. لقد وجد هؤلاء أنفسهم يدورون في فراغ قاتل، ينضوون تحت هياكل من دون صلاحيات، مثل البرلمان والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، إذ وجدوا أنفسهم غير قادرين على تنفيذ مقترحاتهم. فهم في وادٍ والسلطة التنفيذية في وادٍ آخر، واكتشفوا، مثل بقية أنصار المشروع، أنفسهم في وضعية السلطة من دون سلطة.

العقبة الثانية التي واجهها المؤيدون للمشرع هي الإدارة، فلهذه سلطة ونفوذ واسع، لأن البيروقراطية محكومة بآليات وتقاليد يصعب تغييرها بين عشية وضحاها. تتغيّر الحكومات ويستبدل الرؤساء وتبقى الإدارة جاثمة مثل أخطبوط يصعب قطع أطرافه. لهذا، لم يتمكن أنصار المشروع من التحكّم في أجهزة الإدارة وفروعها، وليست لهم الصلاحية للتدخّل في شؤونها.

أخيراً، تأتي العقبة الثالثة أمام الذين تبنّوا المشروع، وتتمثل بـالأجهزة الصلبة التي لا يمكن التدخّل في سير عملها والمساس من صلاحياتها. فولاؤها الوحيد لرئيس

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح