سلافوي جيجك التاريخ من منظور فيزياء الكم
عُرفت فلسفة سلافوي جيجك بقدرتها على الجمع بين مجالات عدة مثل التحليل النفسي، والنظرية الماركسية، والنقد السينمائي، والنظرية السياسية. غير أن جانباً قلّما يُلتفت إليه في مشروعه الفلسفي هو الحضور الكثيف للفيزياء، وبالأخص الفيزياء الكمومية، التي تتغلغل في عدد من أعماله، ابتداءً من كتابه الأشهر أقل من لاشيء (2012) الذي خصَّص فيه فصلاً بعنوان أنطولوجيا الفيزياء الكمومية، وصولاً إلى أحدث كتبه تاريخ كمومي: فلسفة مادية جديدة، الذي يصدر عن منشورات بلومزبري في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. هنا، تتأسّس ماديته تحديداً على الفيزياء الكمومية، خلافاً لزملائه مثل آلان باديو الذي يستند إلى الرياضيات، أو أدريان جونستون الذي يركز على علوم الإدراك.
في هذا المشروع الذي بدأه قبل سنوات طويلة، يحذّر جيجك مراراً من الوقوع في خطأ شائع يتمثل في تحويل مفارقات الفيزياء الكمومية إلى رؤية كونية شاملة أو تفسير ثقافي شامل، وهو خطأ وقع فيه كثيرون، من بينهم الفيزيائي نيلز بور، حين وسّع مبدأ التكاملية ليُطبّقه خارج حدود الفيزياء الصارمة ويشمل مجالات نفسية واجتماعية ودينية، في محاولة لربط الظواهر الفيزيائية بالبنى الرمزية للثقافة وإضفاء معنى فلسفي عليها. يوضح جيجك أن مثل هذا التوسيع قد يبدو جذاباً من منظور أنثروبولوجي أو ثيولوجي، لكنه قد يضللنا عن الطبيعة الفعلية للعلم بوصفه منهجاً محدد النطاق والصلاحية. كما يلفت الانتباه إلى خطأ آخر شائع يتمثل في النظر إلى الواقع الكمومي بوصفه الواقع الأعمق أو الحقيقة النهائية خلف المظاهر، في إطار نقد الواقعية الساذجة التي تفترض وجود عالم موضوعي صلب ومستقل تماماً عن وعينا وإدراكنا. بالنسبة إلى جيجك، لا يشكل المستوى الكمومي واقعاً صلباً أو مكتملاً بذاته، بل يمثل مجالاً هشاً، أشبه بالهذيان أو الاحتمال المحض، ولا يتحول هذا المجال إلى واقع صلب وملموس إلا من خلال فعل الملاحظة الذي يؤدي إلى انهيار الدالة الموجية وتحديد حالة النظام الفيزيائي. ومن هنا تصبح المظاهر اليومية، في رأيه، ليست مجرد أوهام يتحتَّم اختراقها للوصول إلى جوهر أعمق، بل هي المستوى الفعلي الذي يُنتج الواقع نفسه ويمنحه صلابته وتماسكه.
ارسال الخبر الى: