بعيدا عن الجوانب الفنية والتنظيمية والحضور الجماهيري القياسي التي تتميز بها بطولة يورو 2024 الجارية وقائعها في ألمانيا مقارنة ببطولات أخرى قارية ودولية لفت انتباهي ذلك التفاعل الجماهيري عند الصغار والكبار في المدرجات والساحات العمومية مع الأهداف التي تسجلها أو تتلقاها المنتخبات ومع الفوز والخسارة الذي يتميز بكثير من الشغف والشعور بالانتماء إلى الوطن من خلال المنتخب وهو الذي كنا نعتقد أنه حكر على الجماهير العربية والأفريقية التي تبالغ في نظر البعض في التفاعل لدرجة التعصب وينتابها الشعور بالانتماء أكثر من خلال منتخباتها في أثناء عزف النشيد الوطني لمختلف البلدان لاحظنا تفاعل اللاعبين من خلال ترديد النشيد بحرارة وبسط أيديهم على صدورهم فوق حدود القلب تعبيرا عن الحب ولاحظنا تجاوب الجماهير في المدرجات بشكل لافت لا نجده مع النوادي التي يشجعونها أو في رياضات ومناسبات أخرى سواء كانت سياسية أو ثقافية ما يجعل المنتخب الفرنسي مثلا أحد أبرز العوامل التي تجمع أطياف مجتمع متنوع الأصول والألوان والثقافات والقناعات يتوحد في أثناء مبارياته فوق الميدان وفي المدرجات وفي مختلف وسائط التواصل الاجتماعي ولو لفترة وجيزة ومؤقتة عند تسجيل الأهداف أو تلقيها كانت الكاميرات تركز على التقاط صور الفرحة الهستيرية لكثير من المشجعين باختلاف أعمارهم بمن فيهم الأطفال الصغار بغض النظر عن اختلاف المشاعر عند الفوز أو الخسارة ما دام الانفعال هو القاسم المشترك والتشجيع الموجه للمنتخب يحمل صبغة انتمائية إلى وطن واحد مهما كانت اختلافاتهم والفوارق بينهم وهو الأمر اللافت الذي لم يعد مقتصرا على مجتمعاتنا ومنتخباتنا وعليه يمكن اعتباره ظاهرة صحية طبيعية وعفوية ليست مصطنعة ويجب ترسيخها في النفوس والعقول وتهذيبها حتى لا تبلغ درجة التعصب والعنف أما حرارة اللاعبين فوق أرض الملعب في أثناء مباريات يورو 2024 أو عند تسجيل الأهداف وتحقيق الفوز فقد ظهرت جليا في أوساطهم خصوصا الشباب منهم من الجيل الجديد ليس فقط لأجل الفوز والبروز وتحقيق الشهرة بل لأجل بلدانهم وجماهيرهم ولا سيما منتخبات البلقان وأوروبا الشرقية لأسباب سياسية وتاريخية وأيديولوجية حيث ظهر عليهم الجهد والمردود العالي والشغف والحرارة في اللعب أكثر بكثير مما يفعلونه مع نواديهم التي تدفع لهم أموالا أكثر من منتخبات بلدانهم مثلما ظهر على الأنصار تعلقهم بأوطانهم من خلال منتخباتهم تجاوزت كرة القدم في بطولة يورو 2024 حدود الترفيه عند الجماهير وتجاوزت حدود الشهرة وكسب المال عند اللاعبين والمدربين على غرار ما يحدث عندنا ووصلت درجة المساهمة في تعزيز مشاعر الانتماء إلى الوطن والتعبير عن الهوية رغم مشاعر الإحباط والتذمر التي تسببها الخسارة أو الإقصاء وصارت مختلف المظاهر المصاحبة قاعدة عامة ومشتركة بين كل جماهير الكرة في العالم ولو بدرجات متفاوتة خصوصا مع الجيل الجديد الذي تتنامى لديه مشاعر الانتماء تحت تأثير وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي رغم تخلصه من كل الرواسب السياسية والتاريخية والأيديولوجية والدينية لكن سحر الكرة يفعل الأفاعيل