نحو سجن النساء

69 مشاهدة

رغم خبرتها الطويلة في أروقة المحاكم، غير أن المحامية مرهفة الحسّ لم تتمكّن يوماً من التعامل بحياد وموضوعية تفرضهما قواعد المهنية، ظلت تحدّق بالمتهمة من دون توقّف، وقد تملكتها مشاعر رهبةٍ وارتباكٍ وغضبٍ كبير، اتكأت السجينة ذات الثوب الأزرق (الفوتيك) بيديها الاثنتين على قضبان قفص الاتهام في قاعة محكمة الجنايات الكبرى، محاطة بمجموعة المحكومات في قضايا تنوّعت بين السرقة والتسوّل والدعارة والاحتيال. لم تبدُ لها مريضة تعاني من اضطراب نفسي شديد، أو تخلف عقلي خطير، بل عبرت ملامحها الهادئة عن شخصيةٍ عاديةٍ بلا ملامح فارقة لفتاة فقيرة في الثامنة والعشرين، لم تنل حظا من التعليم، لا يمكن لأحدٍ أن يتصوّر أنها أقدمت قبل أشهر فقط على خنق طفلتها الصغيرة. جاء في اعترافاتها أنها وضعت الوسادة فوق رأس الرضيعة ذات التسعة أشهر، وظلّت تضغط حتى لفظت الطفلة أنفاسها، ثم أخذت تتأمل في الجسد المسجّى للصغيرة التي غادرت الدنيا، ولم تُدرك منها في أيامها القليلة سوى الظلم والقسوة والغدر على يد أمها التي لم تُبد في أي مرحلة أي مشاعر هلع أو ندم، وقد لجأ محاميها إلى حجّة المرض النفسي، واكتئاب ما بعد الولادة كي تحصل موكلته على عقوبةٍ مخفّفة.

غادرت قاعة المحكمة، قبل أن ينطق القاضي بالحكم، لأنها لم تتمكّن من ضبط انفعالاتها، وهي ترقُب الابتسامة الغامضة التي ارتسمت على وجه المتّهمة.

في قاعة المحامين، أخبرها المحامي الذي عيّنته المحكمة للترافع عنها مجاناً بحسب القانون، أن البنت نشأت في بيئةٍ شديدة القسوة، جهل وفقر مدقع وحرمان وعنف أسري وأم مستلبة، وأب سكّير كان يجبرها وإخوتها الصغار على التسوّل والسرقة والدعارة. لم تذق يوماً طعم الحنان، ولم تعرف معنى الاستقرار الأسري، وظلت، طوال سنوات طفولتها ومراهقتها، ضيفة دائمة التردّد على مراكز الإصلاح، حين يتم حبسها عدة أشهر، وتعود بعد الإفراج عنها إلى مزاولة الأعمال المنحرفة التي لم تتعلم غيرها. ظنّت أن الزواج سيوفّر لها مهرباً من حياة البؤس والذلّ والقهر، لتكتشف أن الزوج نسخةٌ أكثر قبحاً من أبيها، إذ اختفى حين وضعت

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح