سامي التليلي 1 2 فشل الثورة غياب الوعي الفردي والجماعي
٨٦ مشاهدة
قادم من عائلة نقابية معارضة ومن نوادي السينما في طفولته أجاد الحكي لأقرانه وأضحكهم منذ تلك اللحظة قرر أن يكون مخرجا لكنه لم يدرس السينما بل الآداب له تجارب غير احترافية في سينما أندرغراوند أول فيلم أنجزه حين بلغ 20 عاما يشتغل على الذاكرة والتاريخ في أفلامه الوثائقية ويعترف أنه لا يؤمن بالموضوعية في هذا النوع الفيلمي للسينما برأيه دور محدد في إثارة المشاكل ليبدأ المجتمع بحثه عن حلول حصل على دكتوراه في الآداب الحديثة من جامعة إكس مرسيليا وماجستير في إنتاج الأفلام من ماتفيلم سكول لندن وعلى تكوين في الأفلام الوثائقية في ورشات فاران باريس كاتب حوار ومستشار سيناريو لأفلام عدة ومدير فني ومبرمج أفلام في مهرجانات كـأيام قرطاج السينمائية 2015 وقابس سينما فن دورات عدة بعد فيلمه الطويل الأول يلعن بو الفسفاط 2012 ذهبية أبوظبي أفضل وثائقي عربي استقبل الجمهور سامي التليلي في المطار بفرح كبير بعد ذلك لم تكن الأمور مبهجة وسهلة بل أصعب إذ خلقت عراقيل أمام إنجاز فيلمه الثاني عالبار 2019 الذي استغرق تحقيقه سبع سنوات تتراوح أعماله وشخصيته بين غضب وسخرية هل ولدت فكرة يلعن بو الفسفاط مع مولد الثورة وحرق محمد البوعزيزي نفسه في ديسمبر كانون الأول 2010 الفكرة موجودة منذ اندلاع أحداث الرديف واعتصامات عمال الفوسفات واعتقالهم عام 2008 حينها أي قبل 2010 كان التصوير ممنوعا لكن البعض صور الأحداث خلسة بهواتف جوالة لم تكن جودتها عالية وصورها نقية كانت لدي تجارب في سينما أندرغراوند لكني أحببت صنع فيلم عن هذه الأحداث في إطار السينما الاحترافية فقيمة الأحداث ستظهر لاحقا وسأتركها إلى حين أستطيع تصوير الفيلم الذي أطمح إليه قامت الثورة وبدأ مخرجون عديدون تصوير أفلام عنها بينما فضلت العودة إلى ثلاثة أعوام قبلها لفهم ما الذي حدث أحداث الرديف عامي 2007 و2008 والحديث عن القفصة مواد صورها آخرون هل كنت تتابع معهم أحداث ثورة عمال الفوسفات واعتصاماتهم منذ ذاك الحين كنت قريبا جدا من الحراك السياسي ـ الاجتماعي أو بالأحرى كنت فيه كنت ضد الدكتاتورية ولأني جزء من هذا كنت على علاقة بأشخاص يصورون وبآخرين مرتبطين بالأحداث منذ ذلك الوقت كنت أخزن فيديوهات وصورا في الأرشيف إلى أن يأتي وقت أستخدمها للنزاهة والأمانة العلمية وضعت أسماء من صور هذه الأحداث في الجينيريك للبناء السردي طبيعة شديدة الخصوصية إذ يستند على الشعر الذي يقترب أحيانا من الراب للتعبير عن حال البلد فيخبر عن غناها بثرواتها وفقر أهلها وذهاب الثروات إلى جيوب الرأسماليين كيف ولد هذا الخيط الذي يمسك الحكاية في نسيج قوي هل صورت مع الشخصيات المختلفة ثم بدأت تفكر في الأسلوب ثم ولدت فكرة الكلمات الغنائية التي كتبتها أنت البناء السردي مستوحى من التجول في جنوبي تونس ويشبه إلى حد الحكواتي في مصر أو السيرة الهلالية هناك ترابط وتشابه بين جنوبي مصر وجنوبي تونس أقصد الحكواتي الشعبي في تونس الذي يروي الحكايات ويمتلك جانبا بطوليا ملحميا ليس راب بل أدب شفهي للمنطقة صغيرا كنت أزور قفصة وأستمع مع والدي وأقاربي إلى حكواتي الأدب الشفهي من هنا كان استلهام أسلوب السرد لكن صعوبة الوثائقي كامنة في أن هناك تصورا نظريا أولا وعند الذهاب إلى مكان التصوير أو المونتاج يكتشف المخرج أن هذا التصور غير مناسب إذا لا بد من البحث عن طريق أخرى لم أكن واثقا في أن هذا الأسلوب السردي سيكون صالحا تماما فصورت مع أشخاص وفي المونتاج ولفت بعضهم مع بعض توازيا عندما لم يتذكر أحد المشاركين في فيلمك تفاصيل الحدث شغلت مقطع فيديو صورته مع آخر المدرس هل تثق بالذاكرة هل تعتبر أن ما قاله البطل ـ المدرس وثيقة ما الذي يجعلك تثق بالذاكرة أم أنك وظفت تلك التكئة لمنح الفيلم مزيدا من المصداقية والسينمائية هذا ليس عدم ثقة فقط أردت إثبات أن في الذاكرة جانبا شخصيا الذاكرة بطبيعتها شخصية هذا هو الفرق بين الذاكرة والتاريخ حتى عندما نقول ذاكرة وطنية أو ذاكرة جماعية هذا يعني أن فيها جانبا ذاتيا حين نستخدم كلمة ذاتي هناك أحاسيس وانعكاسات وانكسارات هذا الشخص أعتبر تلك اللحظة من أهم لحظات الفيلم لأن الشخص الذي عاش الأحداث جعلته شدة الصدمة ينسى هذا أهمية المشهد أيضا أن الصدمة يلزمها وقت لتجاوزها هذا ليس معناه أني أثق بالذاكرة لكني أريد أن أري الناس الذين عاشوا هذه التجارب أنه عندما نضع أشياء عدة من الذاكرة جنبا إلى جنب نحصل على صورة مقربة لما صار وفي الوقت نفسه أضفي مصداقية على المدخل السردي الذي اخترته حينما تتأمل الفيلم الآن وترى الحالة التي وصل إليها المجتمع حاليا بماذا تشعر بالإحباط أم بأن السينما لم تقم بدورها الإحباط موجود طالما الشعور موجود السينما قامت بدورها لكن الوعي الاجتماعي والثقافي والفكري في تونس تدنى هناك وعي عال في وقت ما لكنه تدنى لاحقا عند الطبقة السياسية الحاكمة وعند الناس الذين يعتبرون أنفسهم من النخبة للأسف لم يكن أمام الثورة في تونس غير الفشل بسبب هذا التدني الراسخ إلى الآن دور السينما إثارة المشاكل كي يأتي المجتمع بحلول دورها محدود أيضا لم يكن هناك وعي بأهمية هذا النوع من الأفلام التي نصنعها فرضت فرضا على الذائقة الفنية والفكرية هناك كثيرون يفضلون نوعا آخر للمشاهدة غير الأفلام التجريبية التي تختارها أربعة خمسة مهرجانات مصنفة من الصف الأول لم يكن هناك وعي بذلك حتى في صناعة السينما في تونس هل تتذكر شعورك حين نال الفيلم جائزة أبوظبي بأنه أفضل وثائقي عربي هل أثر ذلك على شعورك وإيمانك بالسينما مررت في ظروف صعبة جدا على المستوى الشخصي قبل إنجاز الفيلم وبعده حتى بعد حصولي على الجائزة الشعور متناقض ومتداخل إذ إني فرحت وفي الوقت نفسه شعرت بالضياع بسبب تلك الفترة التي كانت تمر فيها تونس الجائزة منحتني شعورا بالفرح والفخر وأعطتني جرعة تنفس في تونس أثار الفوز فرحا أكبر فعام 2012 كان فترة مد وجزر هناك أناس استقبلوني في المطار يضحك كانت مشاعر طيبة كثيرا لكن بعد 12 عاما تغيرت أمور كثيرة كنت أتخيل أن الأمور ستصبح أسهل بعد جوائز يلعن بو الفسفاط لكنها باتت أصعب كنت أتوقع أن أثبت وجودي كمخرج وأن التعامل مع الفيلم الثاني أسهل لكن الأمور تعقدت كثيرا وحدث العكس مع عالبار كانت هناك محاولات غير بريئة لئلا ينجز الفيلم متى ولدت فكرة عالبار أو على العارضة في طفولتك أو في فترة السجن لعامين كعقاب لك بعد مباراة الطفولة التي انتهت في قسم الشرطة وقرأت عن تحطم وهم حصول تونس على كأس العالم عام 1978 ما الذي أحيا عندك ذكرى هذا الموضوع مشاركة تونس في كأس العالم 2018 في روسيا هناك طرق عدة للاشتغال على الأفلام هناك من يتتبع التريند في السوق لاختيار مواضيع مثلا تكون أحيانا فترة إرهاب أو اهتمام بالحقوق الفردية أو حقوق المرأة أنا لا أعطي دروسا لأحد لكني لا أعمل بهذه الطريقة هذا خيار شخصي مقتنع به عندي رؤية للأشياء لا أحب الانخراط في ما يطلبه المتفرج أو الممول أو المهرجانات هذا يصعب المهمة علي الشغف عندي موجود في الذاكرة والتاريخ فأحدهما غير مفصول عن الآخر أتصور أن هذا مشترك بين شعوب المنطقة العربية المشكلة علاقتنا بالتاريخ في كل مرة يكتب التاريخ يطوع لهدف سياسي أو شخصي فكل حاكم تقريبا يحاول كتابة تاريخه لدينا في تونس علاقة غريبة بالذاكرة لو أنك تتأملين كمية الأمثال الشعبية التونسية في علاقتها بالذاكرة تكتشفين أنها رهيبة يمكن عمل بحث أنثروبولوجي مهم في هذا الموضوع تجدين أمثالا كـ اللي فات مات أو خلاص راح هذا الموضوع راح ولا فائدة في إعادة فتحه بعد ثورة 2010 توقعت أن الأمور لن تنجح رغم أني كنت في حياتي أناضل من أجل الديمقراطية والتعددية ومن أجل أن يعيش المواطن التونسي في مجتمع عادل وفي ظل مؤسسة تحكم بالعدل وفي ظل الحرية والتعددية لكن لما صارت الأحداث ورغم أني طرف فاعل فيها لم أكن سلبيا لكني توقعت أن الأمور لن تنجح لأن هناك زخما فكريا فقد في وقت ما ولأن النضج الفكري لم يكن متوفرا كانت هناك حلقة مفقودة في الذاكرة فجيل فترة الثورة الذي تتراوح أعمار أبنائه بين 25 و27 عاما كبر عاش طفولته ومراهقته في فترة حكم بن علي بينما كان تاريخ تونس يتوقف مع التاريخ الرسمي عند نهاية الاستعمار ومع قدوم بن علي فترة دامت 30 عاما فترة حكم بورقيبة والصراعات على السلطة وتلك الحاصلة في حرب التحرير كل هذا مغيب وجزء من ذاكرة هذا الجيل بات مغيبا بمعنى آخر هناك جانب من حياة الفرد غير موجود