عندما وصلت إلي دعوة من مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية والجمعية المغربية للعلوم السياسية وبتعاون مع وزارة الثقافة للمشاركة في يوم 13 مايو أيار الحالي في إحدى ندوات المعرض الدولي للكتاب والنشر في الرباط فوجئت بعنوان الندوة الدولة الثقافية من إشكاليات التصور إلى إكراهات البناء ولم أفهم المقصود من الجمع في العنوان بين الدولة والثقافة رغم أننا استأنسنا بالحديث عن الدولة الاجتماعية ودولة الحق والقانون إلخ وأتصور أنه إذا كانت هناك مبررات للتسميات المشار إليها فإنه يصعب علينا قبول تسمية الدولة الثقافية استنادا إلى واقع الدولة وطبيعة الفعل الثقافي في مجتمعنا وإذا كانت الورقة المرفقة برسالة الدعوة قد حاولت توضيح ما سمتها حدود الممكن وإكراهات البناء في السياسات الثقافية إلا أنني لم أجد فيها ما يقربني من الموضوع وتعزز لدي هذا الإحساس عندما اتجهت الورقة في النهاية إلى الحديث عن السياسات الثقافية محاولة إبراز أن المقصود من الدولة الثقافية يتعلق أولا وأخيرا بجعل الثقافة بمثابة القاعدة الأساس للسياسات العمومية في المجال الثقافي وإذا كان الأمر كذلك فلماذا تم اختيار الدولة الثقافية بدل السياسات الثقافية تقترن الإيحاءات المرتبطة بتسمية الدولة الثقافية بمسألة تمنح فيها الأولوية للثقافي على حساب السياسي أو العكس وهذه مسألة قديمة يعرفها المشتغلون بتاريخ الفكر وتاريخ الفلسفة وهي تعود بنا إلى مفاضلات نتصور أنها في حكم ما أصبح متجاوزا في عالم غدا يعترف اليوم بالمكانة التاريخية لكل من الثقافي والسياسي وأدوارهما في التاريخ وفي المجتمع وقد استبعدنا ونحن نفكر في الموضوع مثل هذه القضايا بحكم أنها لا تسمح برسم المعالم الكبرى لإمكانية الاقتراب من الأسئلة التي نرجح أنها كانت وراء التفكير في موضوع الندوة لا مفر من إبداء احتراس محدد من مفهوم الدولة الثقافية وخصوصا عندما ترن في آذاننا مفاهيم مماثلة له من قبيل الدولة العسكرية أو الدولة الأمنية خاصة أننا اعتدنا تهميش الفعل الثقافي زمنا طويلا وذلك رغم أهميته وأهمية الأدوار التي يقوم بها في حياة الأفراد والجماعات وأتصور أنه لا يمكن أن تكون للتفكير في السياسات الثقافية مردودية إلا عندما يوجه للتفكير في التحديات التي لا تسمح للثقافة ببناء ما يساعد في عمليات التقدم والبناء المجتمعي والتاريخي وعندما نشخص موضوع الندوة في واقع الدولة المغربية والمسألة الثقافية نصبح أمام جملة من التحديات المرتبطة بالثقافة والسياسة والمجتمع وسنكتفي بالتوقف أمام عينة منها تحولات ترتبط بالثقافة والمجتمع وتعكسها جوانب من خيارات الدولة تواجه الدولة المغربية تحديات في موضوع التراث والظواهر التراثية كما تواجه في الوقت نفسه جملة من التحديات المرتبطة بظاهرة التعولم والتنميط الثقافي وندرجهما معا في إطار التفكير في الهوية وتحولاتها في التاريخ ويمكن أن نضيف إليهما التحديات المرتبطة بثورة الاتصال وما نتج عنها من عوالم افتراضية وقد أصبحت هذه الثورة ترتبط اليوم بثقافة الوسائط الاجتماعية وما ترتب عنها من ثقافة جديدة فكيف يمكن أن تواجه السياسات الثقافية المكون التراثي وقد تحول بفضل ثورة الاتصال إلى شبكات وكيف تواجه موجات العولمة الكاسحة وما هو موقفها من ضجيج وتفاهة شبكات التواصل الاجتماعي وقد أصبحت تملأ السمع والبصر ترتبط التحديات التي رسمنا بطبيعة التحولات الجارية في مجتمعنا وهي تحولات ترتبط بالثقافة والمجتمع وتعكسها جوانب من خيارات الدولة كما تترجم في مضامين الفعل الثقافي كما ينشأ ويتطور في دائرة الإنتاج الثقافي في تجلياته المختلفة وإذا كان من المؤكد أن الإنتاج الثقافي تترجمه جهود المبدعين والباحثين جهود الأفراد وجهود الجماعات والمؤسسات فإن من المؤكد أيضا أنه لا يحصل ولا يتراكم من دون حرية ذلك أن السياسات الثقافية لا يمكن أن تكون مثمرة إلا في دولة الحرية والتحرر المتواصلين وهذا الأمر بالذات هو الذي دفعنا ويدفعنا إلى ربط السياسات الثقافية بشرط الحرية الذي يؤسس لإمكانية مواجهة التحديات ومغالبتها ولن تتمكن الدولة من مواجهة التحديات التي أمامها إلا في مناخ يجعل الحرية ضمن أولوياته إذ لا وجود لدولة ثقافية من دون أجواء تسمح بالتحليق عاليا ولا يحصل التحليق في الأعالي من دون حرية تستبعد الحجر والحجب وتفتح الحياة والمجتمع على أفق يتيح إمكانية التغني بمستلزمات الطيران الحر وتسمح بتحويل التطلعات إلى وقائع ممكنة الحصول فلا ثقافة من دون فضاء حر ولا انخراط في عالم التواصل والمعرفة من دون حرية وبلا أجنحة ملونة تسمح بالاقتراب من السماء كما تسمح بثبات الأقدام فوق الأرض لنقف أمام مثال يرتبط بالنقاش الدائر في المجتمع المغربي منذ أشهر في موضوع إصلاح مدونة الأسرة إذ يمكن أن نعاين التحديات الثقافية التي تواجه الثقافة المغربية في مجال كيفيات التعامل مع الموروث الثقافي الأمر الذي يكشف الصعوبات التي ما زال مجتمعنا يواجهها في موضوع الموقف من التراث ومن الاجتهاد ومن المستقبل تواجه الدولة المغربية تحديات في موضوع التراث وجملة من التحديات المرتبطة بظاهرة التعولم والتنميط الثقافي يندرجان في إطار التفكير في الهوية كنت أتمنى أن يكون عنوان هذا اللقاء أسئلة وتحديات الدولة الثقافية بدل الدولة الثقافية بحكم أن ربط الفعل الثقافي بالدولة يرتبط في التقاليد الجارية بكثير من الصور النمطية عن الدولة ومؤسساتها في بلادنا وفي تاريخنا وعندما اتجهنا في هذه المحاولة للتفكير في بعض التحديات الثقافية التي تواجهها الدولة المغربية اليوم فقد ارتأينا أن نقترب من العيني المشخص في التاريخ أما التحديات التي أشرنا إليها فهي تعد اليوم في قلب إشكالات الثقافة المغربية فتحضر القارة التراثية لترسم في حاضرنا الممكن والصعب كما تحضر بعض سمات التعولم لتساهم في رسم كثير من مظاهر حاضرنا في الاقتصاد والسياسة والمعرفة والتقنية فكيف نبني مصيرنا الثقافي في ظل ما ذكرنا تستدعي التحديات التي استحضرناها أمثلة جملة من القواعد المرتبطة بنمط العمل الثقافي أي المرتبطة بالإنتاج الرمزي في التاريخ ولهذا الأخير كما نعرف زمانية مختلفة عن زمانية الإنتاج المادي ويترتب من هذا الأمر نتائج تعطل كثيرا من متطلبات التنمية ومن هنا تكون مؤسسات وصور تدبير الدولة لأفعال المجابهة في المجال الثقافي ضرورية لبناء مجتمع جديد إنها تسهم في نشر وتعميم ما يمكن أن يرفع التردد ويعجل بإعداد الشروط التي تسمح بالتقليص من هيمنة الشروط الكابحة للتقدم