زواج وتضليل
تتعرّض المطلّقات في بعض المجتمعات العربية للتنمّر والإقصاء، وأحياناً لتشويه السمعة، ويُنظَر إليهن بريبة، وكأنهن مرضٌ مُعدٍ ومصدر خطر يُهدّد بالاستيلاء على أزواج الأخريات، ويجري اتهامهنّ بالفشل وتحميلهنّ منفردات مسؤولية انهيار الحياة الزوجية، في حين تُبدي هذه المجتمعات تسامحاً أكبر في حالة الرجل المُطلّق، ويُتعامل معه بوصفه ضحيّةَ كيد المرأة وجبروتها، ويُمنَح في العادة صكّ براءة.
لا تعترف هذه المجتمعات الذكورية بالخلل الجسيم في تركيبة بعض الرجال الشرقيّين، مدلّلي الماما الذين اعتادوا في نشأتهم على أن طلباتهم أوامر، وأن وظيفة الأمّ والشقيقات السهر على راحتهم، وإعداد أطباقهم المفضّلة، وغسل ثيابهم وكيّها، وترتيب غرفهم، وخدمة ضيوفهم، وعدم التقليل من احترامهم ولو بإيماءة. قالت إحداهنّ: علينا أن نعترف أنّ بعض الأمهات (لعلهنّ الأكثرية) أفسدن أبناءهنّ، وبثثن فيهم وهمَ التفوّق والأفضلية، وأنهم فوق النقد، وافترضن في زوجات أبنائهنّ المستقبليات معاملةً مماثلة. غالباً ما تحظى العروس المرشّحة بالقبول الفوري إذا كانت شخصيتها تشبه شخصية الستّ الوالدة، من حيث التفاني وإنكار الذات والعطاء بلا حدود والقناعة والرضا والمسالمة، وتصبح فرصها أقوى في حال تمتّعت والدتها أيضاً بمثل هذه الصفات.
في أحيانٍ كثيرة، يكون من السهل على الفتيات الراغبات في الزواج إتقان دور شخصية البنت المسكينة الطيّبة قليلة الكلام الخجولة، التي تأكل القطّة عشاءها، تماماً قد يتقن الرجل ادّعاء التحضّر والتفتّح والقناعة بأن الزوجة ندّ وشريكة حياة لها مكانتها في العائلة. وما إن يتمّ الزواج وتمضي أشهره الأولى، حتى يخلع الطرفان أقنعة المجاملة والمسايرة، لتُصدم المرأة بزوج تقليدي يفترض بها دوراً نمطياً امتداداً طبيعياً لدور والدته، لا يتعدّى العناية بالمنزل وتربية الأطفال والاعتناء بهم، وتسخير وقتها للوقوف على راحته، ومراعاة مزاجه، وتأمين احتياجاته، واحترام خصوصيّته وحرّيته، وحقّه في الحركة من دون تدخّل أو امتعاض منها. في حين يُفاجأ الزوج بنموذج مختلف كلياً عن الفتاة الوديعة التي اقترن بها، إذ يجد نفسه في مواجهة امرأة قوية الشخصية تعرف حقوقها وترفض دور التابعة، وتفترض من رَجلها الاعترافَ بها شريكةَ حياة، وليست شيئاً استحلاه وأصبح ملكيةً خالصةً مسجّلةً باسمه.
ارسال الخبر الى: