ليس زمنا مضى
في 22 فبراير/ شباط 1942، قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية، عثَر البستاني ومدبرة المنزل على جثتَي الكاتب النمساوي ستيفان تسفايغ وزوجته لوت في فراشهما، بعد تناولهما جرعة زائدة من الباربيتورات (مادة مهدئة ومنومة). ترك تسفايغ وراءه رسالة انتحاره، ومعها مشاريعه غير المكتملة.
جاء في الرسالة: أن تبدأ كلّ شيء من جديد بعد الستين يتطلب قوى خاصة، وقد نفدت قواي بعد سنوات من الترحال بلا مأوى. ولهذا، أُفضّل أن أنهي حياتي في الوقت المناسب، واقفاً، رجلاً لطالما كانت سعادته الحقيقية في العمل الثقافي وحريته الشخصية.
وفي رسالته يكتب أيضاً: كانت كتبنا أول ما أُلقي في النيران... لكنّنا لا نشعر بأي ندم لهذا النفي القسري... لقد أصبح ضميرنا أكثر صفاءً بعد القطيعة التامة مع من قادوا هذا العالم إلى الكارثة الكبرى، كما لم يستطع أن يقطع صلته تماماً باللغة الألمانية التي كتب بها، بما يمكن اعتباره اعترافاً مريراً بأنه لا يمكن للمرء أن ينتزع نفسه من اللغة التي يبدع ويفكر بها.
بدلاً من أن يكونوا معارضةً راشدة، اختاروا الترويج للخراب
انتحر تسفايغ في البرازيل، المنفى الذي اختاره لموته، وخلافاً للاعتقاد السائد، لم ينتحر لأنه ظنّ أن النازية ستنتصر، أو لخوفه من امتداد الحرب إلى أميركا. لم ينطق بكلمة توحي بأنه يشكّ بأن النصر النهائي سيكون من نصيب الحلفاء. كان مؤمناً بأن الديمقراطيات والحريات لن تهزم، رغم تأكده من أن الحرب ستكون طويلة ومدمرة. والأهم، أنه كان يعتقد أن موجة الكراهية التي شعر بها تكتسح العالم ستترك أثراً لا يمكن علاجه، وهو ما ترك أثراً بالغاً فيه.
ويبدو أننا نحن السوريين الذين اخترنا المنفى طوال الأربع عشرة سنة الماضية، أن خيارنا منحنا البراءة من الجرائم المرتكبة في الداخل السوري، ولم يضطرنا للصمت أو للمساومة أو للخضوع، لقد نجونا من هذا كلّه، بثمن زهيد، الخروج من البلد. في تلك السنوات كنا مكشوفين ومقيّدين ومعرضين للموت كمداً أو انتحاراً، هناك من مات كمداً، وهناك من انتحر. فاليأس الذي تسلل إلى النفوس تفاقم مع الوقت، مع
ارسال الخبر الى: