رستم شبورتا حياة مفتي بريزرن وسجنه ومخطوطاته العربية

٤٣ مشاهدة
قبل مئة سنة بالتمام اعتقل مفتي مدينة بريزرن Prizren التي أصبحت في 1869 مركزا لولاية عثمانية جديدة حملت اسم قوصوه كوسوفو لاحقا الشيخ رستم شبورتا Rr Shporta الذي كان من الجيل المخضرم الذي عايش حروب المنطقة وانتقال الحكم من دولة إلى أخرى والذي مثل الثقافة الشرقية السائدة في زمنه لكي يتسلمها بعد وفاته في 1937 الجيل الجديد جيل حسن كلشي الذي انتقلت معه هذه الثقافة من المدرسة التقليدية إلى الجامعة مع تأسيس قسم الدراسات الشرقية في 1973 كانت بريزرن مدينة عريقة من القرون الوسطى دخلت ضمن توسع وتقلص الإمبراطوريات بلغارية وصربية وعثمانية عدة مرات حتى استقرت حوالي 500 سنة تحت الحكم العثماني لتتحول إلى مركز الثقافة الشرقية كما سماها د كلشي في دراسة له وهي لا تزال حتى الآن أكثر مدينة محافظة على بنيتها العثمانية ولكن بريزرن عانت كثيرا من الحروب وتعاقب أنظمة الحكم المختلفة بعد نهاية الحكم العثماني وبالتحديد خلال الحروب البلقانية 1912 1913 والحرب العالمية الأولى 1914 1918 فقد احتلتها بلغاريا باعتبارها جزءا من إمبراطوريتها القروسطية وكذلك فعلت صربيا باعتبارها العاصمة الصيفية للإمبراطور دوشان 1348 1355 وتصرفت كلتاهما لاستعادة الماضي دون أي اعتبار لما تغير على مدى 500 سنة من الحكم العثماني ومن هنا فقد كان الكتاب الذي أصدره الزميلان المعنيان بالثقافة الشرقية رسول رجبي وصادق محمدي بعنوان الحاج رستم شبورتا حياته وآثاره 1864 1937 لا يضيء فقط لأول مرة على هذه الشخصية المركزية التي تمثل الثقافة الشرقية المتراكمة في المدينة الولاية على مدى عدة عقود بل يتناول هذه الشخصية ضمن السياق التاريخي للمدينة خلال فترات الانتقال ما بعد العثماني فعلى نمط ما ارتكبته إسبانيا في الأندلس بعد 1492 كانت روح الاستعادة تحرك السلطات الصربية والبلغارية خلال حكمها للمدينة خلال 1912 1918 من المخطوطات التي ألفها بالعربية في السجن رسالتان عن الصبر وبالاستناد إلى تقرير للقنصل النمساوي في المدينة خلال الحكم الصربي في 1914 يورد المؤرخ البريطاني نويل مالكوم في كتابه كوسوفو تاريخ مختصر أنه من أصل 32 جامعا في المدينة تم تحويل 30 منها إلى ثكنات عسكرية واصطبلات ومخازن للذخيرة بينما ساء الوضع أكثر خلال الحكم البلغاري للمدينة 1916 1918 وهي الفترة التي عين فيها رستم شبورتا مفتيا على المدينة الحج كوسيلة للتزود بالمؤلفات الشرقية ولد رستم شبورتا في شارع كان يسمى باسم العائلة شارع آل شبورتا بسبب خان أو فندق بناه جده وهو ما سمح للعائلة بأن تعتني به فبعد أن التحق بالكتاب وتعلم أساسيات العلوم الدينية تابع دراسته في إحدى أشهر المدارس في بريزرن مدرسة محمد باشا التي تعلم فيها علوم الدين واللغة العربية التي أجادها وفي السنة التي تخرج بها من هذه المدرسة 1896 ذهب إلى الحج وهي الرحلة التي كانت تستغرق حوالي سنة في الذهاب والإياب ولكنه استفاد منها للتزود بأمهات الكتب في الفقه واللغة العربية التي لا تزال محفوظة وتبين مصادر ثقافته الفقهية وإجادته للغة العربية وقد عين بعد عودته مدرسا للغة العربية في المدرسة التي تخرج منها وهو الذي جعله يتمكن من التأليف في اللغة العربية كأحد الناطقين بها إلى أن عين مفتيا للمدينة في 1917 كانت فترة الحكم البلغاري 1916 1918 من أصعب الفترات التي بقيت قي الذاكرة الجمعية باعتبارها ارتبطت بالمجاعة وإساءة استخدام المنشآت الدينية للمسلمين الجوامع وغيرها وفي نهاية 1918 دخلت القوات الفرنسية الصربية بريزرن لتصبح كوسوفو جزءا من الدولة الجديدة مملكة يوغسلافيا التي أعلنت في 1 كانون الأول ديسمبر 1918 ومع أن الدولة الجديدة أجبرت في معاهدة سان جرمان 1919 على احترام حقوق الأقليات القومية والدينية إلا أن الوضع على الأرض كان مختلفا خاصة للمسلمين فمع روح استعادة الماضي التي ميزت الحكم الجديد قامت السلطة الجديدة بحجة التطوير العمراني بهدم بعض المنشآت التاريخية التي بنيت خلال الحكم العثماني ولكنها مست مشاعر الأغلبية المسلمة حين بدأت في 1922 بهدم جامع سنان باشا بني في عام 1615 الذي كان يعتبر جوهرة المدينة بحجة أنه بني من أحجار دير صربي في ضواحي المدينة وهو الأمر الذي أثبت عدم صحته علميا د حسن كلشي في دراسة له باللغة الصربية ولكن احتجاج السكان الذي وصل إلى ذروته في 1924 بعد هدم القسم الخارجي وأدى إلى مقتل المهندس الصربي الذي كان يشرف على هدم الجامع دفع السلطات إلى اعتقال المفتي رستم شبورتا والحكم عليه في 25 تموز يوليو 1924 بالسجن لمدة عشرين سنة بتهمة التحريض على قتل المهندس المذكور وهو ما نفاه المفتي رستم باعتباره فرية عليه الصبر والتأليف في العربية كوسيلة للنجاة في هذا الكتاب القيم عن المفتي رستم شبورتا استعرض المؤلفان المخطوطات التي وجداها بخط المؤلف بالإضافة إلى المخطوطات العربية والعثمانية والفارسية التي كانت ضمن مكتبته الشخصية التي تعكس ثقافته الواسعة وما يهمنا هنا مخطوطاته في اللغة العربية التي ألفها خلال سجنه التي قضاها في أربعة سجون سجن بريزرن في كوسوفو وسجن سكوبيه في مقدونيا وسجن نيش في صربيا وسجن زنيتسا في البوسنة إلى أن أطلق سراحه في منتصف آذار مارس 1935 ليعود مرهقا إلى مدينته ليتوفى فيها في 5 تشرين الأول أكتوبر 1937 وسط التقدير الذي حظي به من تلاميذه ومحبيه حركت روح الاستعادة صربيا وبلغاريا في حكمهما للمدينة من هذه المخطوطات التي ألفها بالعربية خلال سجنه لدينا مخطوطتان اختار لهما موضوعا مناسبا الصبر أما المخطوطة الأولى فكانت بعنوان رسالة في الصبر كتبها في سجن بريزرن الذي قضى فيه 1368 يوما وأكملها في 17 شعبان 1343هـ آذار مارس 1925 في حين أن المخطوطة الثانية شرح موجز للرسالة في الصبر ألفها في سجن زنيتسا Zenica بالبوسنة الذي قضى فيه معظم سنوات سجنه وأكملها في 25 شوال 1315 هـ 3 شباط فبراير 1933 وفي مقدمة هذه الرسالة ينطلق المؤلف من التسليم بمشيئة الله باعتباره مالك الملك يتصرف في ملكه وفي خلقه كما يشاء ولكنه بجميع شؤناته كذا منعم لهم بتقربهم إليه بالشكر والصبر والرضا تارة بالسراء أي بإلقاء السرور لهم في دينهم ودنياهم وتارة بالضراء أي بإصابة الضرر والبلاء في أنفسهم وأولادهم وأبويهم وإخوانهم وأقربائهم وأصدقائهم المؤمنين وأحوالهم ليكونوا شاكرين في السراء وصابرين عند البلاء فيفوزوا بهذين الوصفين المشمولين عند الله فوزا عظيما ويستذكر المؤلف هنا الصبر الذي أبداه الرسول محمد الذي ما أوذي نبي مثله حتى ألجأوه إلى الهجرة فصبر وشكر على الضراء والسراء إذ قال تعالى قولا له فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ومع هذا الابتلاء يعظم المؤلف قيمة الصبر الذي خصص له رسالته الموجزة الأولى في سجن بريزرن ثم شرح رسالته هذه في سجن زنيتسا بالبوسنة حتى تمكن من الحفاظ على نفسه والخروج من السجن والوصول إلى بيته سالما في بريزرن في 1935 وهو ما يذكرنا هنا بالمفكر علي عزت بيغوفيتش الذي عرف كيف ينجو بنفسه من سنوات السجن 1983 1988 في فوتشا Foča بالبوسنة منشغلا بالقراءة والكتابة التي توجها بكتابه الهروب إلى الحرية الذي شهره في العالم وتجدر الإشارة إلى أن المفتي رستم شبورتا كان قد اتخذ لنفسه محبسا شعريا ذهني ولذلك كان يذكر في نهاية مؤلفاته اسمه بالصيغة العربية عبده الضعيف المعترف بالتقصير رستم ذهني برزريني كاتب وأكاديمي كوسوفي سوري

أرسل هذا الخبر لأصدقائك على

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2024 يمن فايب | تصميم سعد باصالح