رحيل محمد بكري مواجهة لا تلين وكشف لا يهدأ
آخر فيلمين أشاهدهما له، والفيلمان قصيران، يُمكن اعتبار الشخصيتين فيهما مرآة أخيرة له، ممثلاً وإنساناً في لحظة خرابٍ إضافي، لكنّه أبشع، تصنعه حرب إبادة إسرائيلية، يُدركها منذ سنين، وإنْ تختلف أشكالها بين ماضٍ وراهن، فيواجهها بشراسة محترفٍ في فنّ المقاومة، لغة وفنّاً وحياة وعيشاً. يذهب إلى قلب المعركة، وبُعيد عودته، يُنجز ما يراه الأنسب في تعرية عدوٍّ يتفنّن، لحظةً تلو أخرى، في ابتكار أجناسٍ متجدّدة من العنف والقتل والتغييب والتزوير. يمثّل شخصيةً، يعتبرها انعكاساً لأحوال جماعية، من دون أن يتخلّى عن حِرفية المهنة، جاعلاً من الحِرفية مادة أخرى في مقارعة بطشٍ وقمعٍ وإلغاء.
فجأة، ينتشر خبر رحيل محمد بكري (24 ديسمبر/كانون الأول 2025)، بعد أقلّ من شهرٍ واحدٍ على احتفاله بعيد ميلاده الـ72 (27 نوفمبر/تشرين الثاني 1953). أهذا تفصيلٌ عابر، أمْ نوعٌ من مصادفةٍ تؤكّد، مجدّداً، أنّ الرحيل قدرٌ، ولا سبب مباشراً له. تؤكّد، مجدّداً، أنّ كل الأفعال التي تصنع سيرة، وتكتب حكاية، وتروي تاريخاً من الاشتغالات والمواجهات والتفكيك والكشف والتحدّي، ستبقى نمطَ حياة، وأسلوب حماية بلدٍ وشعبٍ ومجتمع ونتاجات وأحوال، يريد عدوّاً، يُتقن الإبادة بأصنافها، تصفيتها، وإنْ يفشل في تصفيتها، يعمل على تزويرها. محمد بكري كأمثالٍ له يترصّد هذه التصفية وذاك التزوير، فيصنع من صورة وكلمة وموقف وتمثيل وخيارات ما يُجنِّن العدوّ نفسه، فيجهد (العدوّ) في صُنع المعجزات لإسكات ذاك الصوت، ولمحو تلك الصورة، ولفرض نسيان على تاريخ وجغرافيا وذاكرة.
/> سينما ودراما التحديثات الحيةرحيل الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري عن 72 عاماً
أمّا الفيلمان القصيران الأخيران، فيقولان ـ بما يمتلكانه من صُور سينمائية مصنوعة بشفافية وصدق وعمق وجمال، وبقدرة على تبيان وقائع بصمتٍ أو بكلامٍ قليل ـ ما تعجز خطابات ومشاحنات عن كشفه: ما بعد (2024، 32 دقيقة) لمها حاج (العربي الجديد، 26 أغسطس/آب 2024) والدنيا (2025، ست دقائق) لمحمد بكري العربي الجديد، 15 أكتوبر/تشرين الأول 2025). الأول يُكثّف خراب غزة، في كل أزمنة خرابها، فالأزمنة متشابهة لأنّ التنين واحدٌ، والاختلاف حاصلٌ بأساليب البطش. والثاني يرسم
ارسال الخبر الى: