رحلة كبيرة وجريئة وجميلة غريبان في ماض مستمر
لذاكرة والعائلة والحزن والفرص الضائعة والحياة التي يصعب فهمها والوقت الذي يتسرب منا ببطء من دون أن ندركه. تلك هي الهواجس التي تطغى على سينما المخرج الكوري الأميركي كوغونادا (Kogonada)، الذي أسرنا بعوالمه الشعرية منذ فيلمه الروائي الطويل الأول كولومبوس عام 2017. أحدث أعماله رحلة كبيرة وجريئة وجميلة (A Big Bold Beautiful Journey) لا يحمل السحر الذي منح باكورته السينمائية فرادتها، وإن كان ينطوي على انشغالات مشابهة في استكشاف المشاعر الإنسانية من منظوره الخاص. ورغم أن الحكاية تنطلق من لقاء صدفة بين غريبين يوحي ببداية رومانسية، يبدو الفيلم أقرب إلى رحلة تصالح مع الذات منه إلى قصة حب تقليدية.
سارة (مارغو روبي) وديفيد (كولين فاريل) عازبان يلتقيان في حفل زفاف، قبل أن تنتهي بهما الظروف في الوكالة نفسها لاستئجار سيارة. سرعان ما يتكشف طابع الوكالة الغريب وسلوك موظفيها غير المألوف، لكن ما يثير الانتباه أكثر، نظام تحديد المواقع (GPS) الذي تُصرّ الوكالة على أن يصطحباه معهما، كأنه دليل روحي يوجّه رحلتهما.
ما إن تبدأ الرحلة، حتى تتضح غرابة الوجهة؛ إذ ينتقلان عبر أبواب مختلفة إلى محطات من حياتهما الماضية، وأماكن ظلّت عالقة في ذاكرتهما: مسرح مدرسي، ومنارة زارها ديفيد مسبقاً، ومستشفى فارقت فيه والدة سارة الحياة. هناك، في مواجهة ما لم يُعش كما تمنيا، تتحوّل الرحلة إلى محاولة لإعادة كتابة الماضي، أو على الأقل النظر إليه من مسافة تخفّف من وطأته.
تبدو العلاقات في الفيلم امتداداً لذاكرة لا تهدأ، أكثر منها بدايات جديدة، إذ تفرض الذكريات والمخاوف القديمة حضورها على كل لحظة حب أو فقد. هكذا، تتضح وظيفة نظام GPS الذي يدفع سارة وديفيد إلى مواجهة ما حاول كلّ منهما تجنبه، كاشفاً طبقات من الرغبات المكبوتة والندوب العالقة من جروح الطفولة والمراهقة والعلاقة مع الأهل.
هذه النقلة من الواقع إلى الرمزية، تمنح رحلة كبيرة وجريئة وجميلة طبقة سحرية، بينما يظل جوهره إنسانياً: الحب والخسارة والندم. أما الأبواب، فتمثل مداخل للذاكرة ورموزاً لمساحات النفس المجهولة؛ إذ تدفع الشخصيات إلى
ارسال الخبر الى: