رحلة في بلاد بشير البكر وأحلامه وكوابيسه

119 مشاهدة

يكتب بشير البكر سيرته الروائية بلاد لا تشبه الأحلام (دار نوفل – هاشيت أنطوان، بيروت، 2025) محكوماً بهاجس عدم إيقاظ الماضي، خصوصاً ذلك الذي ينتمي إلى طفولته في مسقط رأسه الحسكة في الجزيرة السورية. همّ ربما يفسّر لماذا قرر البكر، الذي غادر منطقته في أواخر السبعينيات ثم ترك سورية عام 1980، لم يعد إلى الحسكة عندما زار سورية مرتين منذ سقوط نظام الأسد بعد غياب 44 سنة متواصلة. والحرص على عدم إيقاظ الماضي لم يمنع العمل، بفصوله وهوامشه وفواصله وصفحاته الـ252، من أن يكون في أجزاء عديدة منه، مرجعاً أدبياً جغرافياً اجتماعياً لمنطقة الحسكة وخابورها والجزيرة عموماً بسرابها وبواديها وذئابها وكوابيسها وعشائرها.

جانب من الشاعر حاضر في سيرة بشير البكر الروائية ولغتها، ولكن الأهم قد يكون أن في بلاد لا تشبه الأحلام الكثير من سمات الـ essai، والتي قد يكون تعبير الكتابة المفتوحة أقرب معادل بالعربية لهذا الصنف الأدبي بحسب جواب بشير البكر عن المصطلح الذي يراه أكثر دقة لهذا النمط من البوح الذي يطير في علم الاجتماع بأجنحة من تاريخ وأدب وجغرافيا وعلم نفس وأنثروبولوجيا ومعرفة عميقة بالفنون. فاصلة النبيذ نموذج عن الكتابة المفتوحة وهامش السلاح والحذاء كذلك، في ملاحظاته عن أفول سلطة القبيلة وسطوتها في منطقته الجزيرة، عندما دخلت عليها الدولة ممثلة برجل الأمن وحظرت حمل السلاح فنزعت أنيابها ورمت بجبروتها على هامش التاريخ. وفي العمل جرعات من تدوين التأريخ الشفهي وإعادة الاعتبار لشخصيات مهمة ولكنها مغمورة، وفيه علم اجتماع وسياسة يغنيه إدراك الكاتب تفاصيل عشائر الجزيرة وجذورها وأنواعها ومجالسها وامتداداتها إلى السعودية والعراق، وعلاقة السلطة البعثية بها واستغلالها طيلة نصف قرن.

ربما تقصّد البكر عدم توثيق سيرته وذكرياته ومشاهداته ويومياته بالتواريخ والسنوات، لعلّه أراد في البداية كتابة رواية لا سيرة، ثم في منتصف الطريق عدل ليكمل فيها سيرة روائية تاركاً قارئاً متطلباً تائهاً أحياناً في تقدير الزمن الذي يتحدث عنه البكر، خصوصاً أن الكتابة السيرية فرضت عليه القفز بأناقة في الزمن إلى الأمام ثم إلى الخلف

ارسال الخبر الى:

ورد هذا الخبر في موقع العربي الجديد لقراءة تفاصيل الخبر من مصدرة اضغط هنا

اخر اخبار اليمن مباشر من أهم المصادر الاخبارية تجدونها على الرابط اخبار اليمن الان

© 2016- 2025 يمن فايب | تصميم سعد باصالح