دار الزمان دورته لكنه توقف في عزة إعزازا وإجلالا لروح التحدي والصمود التي تنبت في رمالها المروية بدماء الأحرار وكطائر جريح يأبى إلا أن يحلق في السماء يترك النضال الفلسطيني حقبة جديدة تغلب فيها على أوجاعه وتحمل جراحه لكنه أبى أن يرفع الراية البيضاء ولعمري إن هذا لنصر لا يعتريه شك بين كانبلاجة فجر من وسط ليل بهيم من يرى أن غزة مجرد مدينة أو قطاع أو أي من مسميات الجغرافيا فهو يظلمها ويجرح كبرياء أهلها هي أكبر من مدرسة علومها عابرة لحدود المكان والزمان والأعراق وجامعة تتعلم فيها البشرية جمعاء دروس الحرية والصمود وأما وصفها كروح فتبدو كأنها عجنت بابجديات الكرامة والتحدي تطل كآية بينة للثائرين ضد الظلم في كل جهات الأرض وقاراتها ليس من اليوم بل منذ عقود كانت ولازالت تقف في وجه أعتى آلات الحرب الصهيونية وفي كل جولة نتساءل بعجب وانبهار كيف لهذه الأرض المحاصرة من كل الجهات أن تظل واقفة في كل صباح غزاوي يطلق المقاومون قذائف الياسين العجيبة والتي يبدو أن بطونها حشيت ببارود عثماني عتيق لكنهم في المرتبة الأولى يبعثون رسائل الصمود الأسطوري التي لا تعترف بفارق القوة ولا تضع في حسبانها تعاضد الغريب وخذلان القريب ومع كل طلقة قناص حمساوي كانت تروي للعالم حكاية أم ثكلى ترفض الانحناء وطفل صغير كبر قبل أوانه فغدا مقاوما بطلا وشيخا تسللت تجاعيد الزمن إلى جبهته لكنه أقسم أن لا يترك البندقية حتى يغسل الأرض بدموع الانتصار فكان له ما أراد حين فرضت المقاومة الفلسطينية شروطها التي أعلنتها في السابع من اكتوبر أسراكم مقابل أسرانا ولم يشكل هذا انتصارا عسكريا فقط بل درسا تاريخيا لكل الأنفس التواقة للحرية مختصرة أن الشعوب الحية لا تنكسر والأوطان التي تسقى بالدماء تنبت نصرا يتردد صداه في أرجاء الكون لم تكن الحرب على غزة مجرد معركة بين سلاحين بل كانت مواجهة مصيرية بين إرادة لا تقهر وقوة عمياء تظن أن الحديد والنار يمكن أن يكسر إرادة الشعوب مواجهة لم تكن الأولى ولن تكن الأخيرة وكما عودتنا مقاومتنا الباسلة هاهي ترفع راية النصر المزدانة بالألوان خفاقة في جبين السماء مؤكدة أن الراية البيضاء لا تعرف طريقها إلى أيدي الأحرار ولو فقدوا أرواحهم ومنازلهم ومدنهم وهم يخوضون معترك الدم والنار واضعين نصب أعينهم ماتعلموه من السنوار وهنية والعاروي حين كانوا يختصرون الحكاية ببضع كلمات غزة ليست للبيع والكرامة ليست للمساومة تخبرنا غزة اليوم وكل يوم أن الكرامة أغلى من الحياة والأرض الطيبة الطيب أهلها لا تتخلى عن أبنائها الذين بها يتشبثون كمصير حتمي لايعرف المساومة والظلم مهما طال ليله لا ينتصر على إرادة الشعوب الحرة أما رسالة غزة الخالدة التي لن تمحى من ذاكرة الزمن فمفادها أن الراية البيضاء لا تليق بمن آمن بأن الكرامة هي الحياة دمتم سالمين